د. محمد الحدب
يدور في ذهن الكثيرين تساؤل عن السبب كون عمّان العاصمة الأغلى عربياً من حيث تكاليف المعيشة. مؤخراً صدر تقرير عن مجلة الإيكونوميست البريطانية العريقة يظهر تكاليف المعيشة في عواصم دول العالم واحتلت عمّان الترتيب رقم واحد عربياً و ثمانية وعشرين عالمياً.
هل يعقل رغم الدخول المتهالكة في الأردن، حيث يقدر متوسط الراتب الشهري673 دولارا أمريكيا، أن تكون تكاليف المعيشة أغلى من دولة الإمارت العربية المتحدة حيث يقدر متوسط الراتب الشهري 3,260 دولارا أمريكيا. ولكي نجد إجابة مقنعة لمثل هذا التساؤل سأستعرض أهم الأسباب التي قد تقع خلف ارتفاع تكاليف المعيشة في الأردن، وأقدم في نفس الوقت بعض الاقتراحات لمساعدة صانعي القرار في الحد من ارتفاع التكاليف، وهي كما يلي:
أولاً: ارتفاع أجر العامل في الأردن هو من أهم الأسباب الرئيسية لارتفاع التكاليف لمعظم السلع والخدمات، وكما هو معروف فأن الأردن يعتمد بشكل كبيرعلى العمالة العربية. أعتقد أنه حان الوقت للسماح باستقطاب العمالة من دول شرق آسيا ولجميع القطاعات الصناعية والتجارية حيث أجور هذه العمالة هي الأرخص في العالم، ولا سيما أنها أثبتت جدارتها وجديتها في العمل في معظم دول الخليج العربي.
ثانياً: الأردن تصنف كدولة استهلاكية وليست إنتاجية حيث يتم استيراد معظم السلع والمنتجات من الخارج، وللأسف هنالك بعض التجار يحتكرون عمليات الاستيراد لبعض السلع وبالتي التحكم بالأسعار. للتغلب على هذا الأمر يجب تسهيل الشروط وفتح باب الاستيراد للجميع دون حصره بفئة معينة، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة المحافظة على تنافسية المنتج المحلي ما أمكن.
ثالثاً: ساهمت فقاعة الأسعار غير المبررة برفع الإيجارات وكلف السكن إلى أسعار تاريخية. فعلى سبيل المثال قامت شريحة كبيرة من مالكي العقارات برفع كبير لبدلات الإيجارت للمحلات التجارية دون مبرر، وهذا بدوره انعكس سلباً على المستهلكين حيث قام التجاربرفع كبير لأسعار السلع والخدمات للمساهمة في تغطية كلف الإيجار باهظة الثمن. للتغلب على هذا الأمر يجب وضع سقف أعلى لكلف الاستئجار يأخذ بعين الاعتبار الموقع والمساحة ,ما إلى ذلك من أمور تدخل في احتساب التكلفة.
رابعاً: كلفة الطاقة عالية جداً مثل أسعار الكهرباء والغاز والبترول بجميع مشتقاته وهذا بدوره ينعكس سلباً على كلفة المنتج النهائي التي يتحملها المستهلكون. لخفض هذة الكلفة يجب التشجيع على الاستثمار في الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية. للأسف مؤخراًتم إصدار حزمة من التشريعات ساهمت في الحد من الاستثمار في الطاقة الشمسية دون وجود أي تفسير منطقي، وخير مثال على ذلك فرق أسعار الوقود التي تضاف على فاتورة الطاقة الشمسية من قبل شركات توزيع الكهرباء. وعليه يجب على الحكومة فوراً تذليل كل العقبات التي تحد من الاستثمار في الطاقة الشمسية، فعلى سبيل المثال وصلت فاتورة الطاقة الشمسية في بعض الجامعات الحكوميةإلى دينارواحد شهرياً بينما كانت كلفة استخدام الكهرباء تتجاوز المليون دينار سنوياً. قس كيف سينعكس هذا الوفر على أسعار المنتجات والخدمات إذا ما تم استخدام الطاقة الشمسية من قبل الجميع في الأردن.
خامساً: الرسوم الضريبية والجمركية مرتفعة جداً على المستوردات من مواد خام وما إلى ذلك والتي تدخل في عملية تصنيع المنتج أو الخدمة بشكل نهائي. ندرك جيداً حجم العجز في موازنة الحكومة وكون الإيرادات الضريبة والجمركية مصدرا رئيسيا لتغطية هذا العجز، لكن لا بد من مراجعة وخفض للرسوم الجمركية والضريبة على بعض المواد الرئيسية اللازمة لعمليات الإنتاج.
ما تم طرحه هو بعض الحلول والمقترحات التي من الممكن أن تساهم في خفض تكاليف المعيشة في الأردن، وهنالك العديد من المقترحات التي لا يسع المجال لذكرها في هذا المقال ولكن سأقوم بمناقشتها في مقالات لاحقة. وفي الختام يجب على صانعي القرار أن يدركوا جيداً أن ارتفاع تكاليف المعيشة هو مؤشر سلبي و طارد لكل من الكفاءات ورأس المال وسبب رئيسي للعديد من المشاكل الاجتماعية والسياسية.