احمد ذيبان
أتابع شكاوى المواطنين ومعاناتهم من شح وانقطاع مياه الشرب ، في العديد من المناطق خارج عمان ، عبر وسائل الاعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، وبعيدا عن التعميم والضبابية اخترت ان أتقصى بنفسي بطريقة مهنية ،حالة منطقة تابعة لمديرية مياه ديرعلا في الأغوار الوسطى ، كنموذج لمعاناة المواطنين جراء فوضى توزيع المياه !
والقضية ليست «قضاء وقدرا» ، أو متعلقة بطرف ثالث يتحكم بامدادات المياه ،كأن تأتي من بحيرة طبرية مثلا ! ويجدر التنويه هنا بأن عيون سكان منطقة الاغوار تتجه بحسرة، الى هذه المياه التي تذهب الى عمان من خلال ضخها عبر قناة الملك عبد الله ، ثم عبر «الانبوب» الناقل الى عمان، وهذه « الحسرة « ليس حسدا لاشقائهم العمّانيين، بل بسبب ما يعانونه من قسوة شح المياه ،الى درجة أنهم ينتظرون موعد وصول المياه ،كمن يراقب هلال شهر رمضان، ويشعر أحدهم أنه ربح جائزة اذا وصلته المياه !
منطقة « ظهرة الرمل» مثلا تتزود بالمياه من مصدرين، بئر في « الكرامة « وآخر في بلدة «معدي» ، ولا يوجد يوم أو ساعة محددة لضخ المياه ، فالأمر مفتوح من السبت الى الجمعة ، وضخ المياه يمكن أن يتم في أي ساعة خلال النهار والليل،والعملية قائمة على الاحتمالات وأقرب الى» فزورة « ، أو أنها مرتبطة بنتائج البحث عن آبار مياه جديدة ! واذا صدف أن تم تحديد ساعة معينة، يحدث الضخ بعد عدة ساعات وقد تمتد الى 48 ساعة ! والمياه التي يتم ضخها ب»القطارة « ،لا تصل الى خزانات مياه المنازل تلقائيا ،بل تحتاج من العائلات الى تشغيل مضخات ، وعليه يبدو التزود بالمياه أشبه ب»الطلاسم» ، الأمر الذي يسبب القلق والتوتر لمدة بضعة أيام كل اسبوع بانتظار الفرج !
وليس هناك وسيلة شفافة لمعرفة موعد ضخ المياه ، كأن يتم الاعلان عبر الفيسبوك، أو حتى من خلال المناداة عبر سماعات المساجد ! لكن الوسيلة المتاحة هي لجوء المواطنين للاتصال هاتفيا ، أو الذهاب الى مكاتب المديرية المعنية، وغالبا لا يجيب المعنيون على الهواتف ، ولدي جهاز هاتف مخزن عليه مئات المكالمات « الفاشلة « خلال الأشهر الماضية ، مع نحو 10 أشخاص يعملون في المديرية هم أصحاب القرار والتنفيذ ! واذا كان أحد المسؤولين بالوزارة مهتم بالتحقق فليكلف شخصا لمراجعة المعلومات ! وعندما يتكبد المواطن عناء الذهاب الى المديرية للمراجعة والاستفسار ، فربما لا يجد المسؤولين والموظفين المعنيين للاجابة على طلبه، وقد جربت ذلك بنفسي !
ثمة حالة من المفيد الاشارة لها تابعتها شخصيا ! أحد المشتركين لم تصله المياه لمدة تسعة أشهر ، وبقي يتابع ويتصل ويطالب ويعاني و» لا حياة لمن تنادي « ! إذ لم يقم أحد من الفنيين أو المسؤولين في المديرية بزيارة الموقع وتشخيص الخلل، وذهبت أنا شخصيا الى المديرية ، ثم الى مركز الوزارة مرات عديدة ، وتدخل مساعد الامين الزميل عدنان الزعبي مشكورا أكثر من مرة ، كما اتصلت بالزميل عمر سلامة الناطق الاعلامي في الوزارة وتدخل أيضا مشكورا، واتصلت هاتفيا بمكتب الوزير ومكتب الأمين في نهاية تموز ، وأرسلت مذكرة بنفس اليوم عبر الإيميل موجهة الى الوزير ، تتضمن شرحا مفصلا للقضية ، وتلقيت جوابا بأن المذكرة وصلت وسيتم متابعتها ، وأظن أنه تم تخزينها !
وقبل ذلك اتصلت عدة مرات مع مديرية مياه البلقاء ،المسؤولة مباشرة عن ديرعلا ولم يجب أحد، وذهبت شخصيا الى المدير ولم أجده ، ووعدني سكرتيره أنه سيتم الاتصال معي دون جدوى ، واتصلت مع مركز الشكاوى الموحد عدة مرات وعلى فترات متباعدة ، وتصلني رسائل نصية تبلغني بتسجيل الشكاوى لكن دون نتيجة ، هذا نموذج لكيفية التعامل مع معاناة المواطنين !
«الأمن المائي» مهم جدا ، وهذه صورة مصغرة لمعاناة قطاع كبير من المواطنين في مناطق مختلفة من المملكة ! وليس المطلوب صنع المعجزات، بل حسن الادارة بما هو متاح ، وفق جدول زمني واضح للتوزيع ، لكي لا يضطر المواطن الى الخروج عن طوره ! أو ترديد عبارة «ما فيش فايدة « !
[email protected]