د. صلاح جرّار
لعلّ العرب أكثر من ألّف في موضوع الصداقة والإخاء منذ أن بدأوا التأليف في بواكير العصر العبّاسي كالذي نجده عند ابن المقفع وأبي حيّان التوحيدي والجاحظ وسائر كتب الأدب المشهورة، ومن يدقّق النظر في ما كتبوه في هذا الباب فإنه يكتشف اهتماماً بالغاً ونظراً عميقاً وبُعداً إنسانيّاً راقياً قلّما نجده في مؤلّفات غير العرب.
إلاّ أننا في هذه الأيّام نلاحظ وبشكل واضح خروجاً حادّاً عن كثير من قواعد الصداقة التي أسّس لها العرب في نظرياتهم و التي تلقّوها أيضاً في شريعتهم الإسلاميّة الغرّاء. حتّى إننا أصبحنا نرى الإصرار بكل الوسائل على معاداة من يسعى إلى صداقتنا ومؤاخاة من يسعى إلى عداوتنا، ونتقرب من أصدقاء أعدائنا ونتجنب الاقتراب من أصدقاء أصدقائنا ونتقرب من أصدقاء أعدائنا ونعادي أعداء أعدائنا.
فإذا كانت المصالح هي التي تدفعنا إلى مثل هذا السلوك المنحرف فإنّ أيّاً من مصالحنا لم يتحقق من جرّاء ذلك، بل على العكس من ذلك تضرّرت مصالحنا السياسية والاقتصادية والأمنية بشكل صارخ منذ أن سرنا في هذا المسلك الجديد.
وإذا كان السبب في هذا الخروج على قواعد الصداقة المعروفة لدينا هو أننا اكتشفنا أن أعداءنا على حقّ وأننا طوال السنين التي مضت كنّا على باطل، فإنّ ذلك يعني أن نتنازل عن هويّتنا وعن حقوقنا وعن وجودنا لأعدائنا، ويعني لنا مزيداً من السقوط والتراجع والضياع.
وأمّا إذا كان السبب في هذا الخروج على قواعد الصداقة هو اكتشافنا أنها قواعد لا تصلح لنا ولا تصلح لهذا الزمن وأنّ علينا أن نغيّرها، فليتفضل علينا أصحاب هذه الرؤى العبقرية بوضع قواعد جديدة للصداقة والعداوة تتناسب مع طموحاتهم العظيمة وسياساتهم الخلاقة والمبدعة، على أن يستطيعوا الدفاع عن هذه المعايير والمواصفات والقواعد الجديدة وإثبات قدرتها الفائقة على النهوض بالأمّة وتحقيق فرص تقدّمها وازدهارها وتحرّرها.
[email protected]