د. عميش يوسف عميش
تشير احصائيات «منظمة الامم المتحدة للطفولة (اليونيسف) (UNICEF) ان معدل الاعمار في العالم الثالث قد طرأ عليها ارتفاع بسيط، مقابل ارتفاع اكبر في معدل الوفيات. وهنا اقترح ان ننسى الارقام التي تصدرها سنوياً اليونيسف وكل ما يتعلق بمؤشرات الصحة والمرضى والوفيات.
باعتقادي ان المعنى الحقيقي للصحة هو شيء اخر غير الرعاية الصحية. فكون الشعور بصحة آمنة وسليمة ومطمئنة لا يحقق اكثر من 10% -20% كناتج وحصيلة للرعاية الصحية. ولقد اثبتت الدراسات والبحوث العلمية والمؤشرات العملية في موضوع الصحة ومنذ قرن مضى ان اهم الامراض الخطيرة التي تصاب بها الشعوب تتعدى اسبابها الرئيسية المرضية الى امور اخرى: الاهمال والتجاوزات الغير صحية، مثل التدخين والكحول وتناول المنشطات والمواد المخدرة وهي تفوق الرعاية الصحية المستدامة. اما دفاعنا المبالغ به حول موضوع الصحة وعلى من تقع المسؤولية، فغالباً نضع اللوم على الطبقات الفقيرة ونتهمهم بعادات خاطئة غير حكيمة مع انها في الواقع شبيهة بعادات غير الفقراء.
اما التصرفات الرديئة فمن الصعب تغييرها في الغالب خاصة لدى الاشخاص الميسورين. وغالباً ما تكون متأثرة بأسباب وعوامل بيئية ليس لنا القدرة السيطرة عليها. وهذا تحديداً شيء صحيح بالنسبة للمجتمعات ذات الدخل المتدني، حيث تفتقر الى الطعام الصحي والماء الصالح للشرب، وعدم وجود المتنزهات واماكن ووسائل الرياضة، وضعف الرعاية الصحية، وانعدام وسائل النقل او الرديئة والتدفئة، والبيئة النظيفة، كل ذلك يؤثر سلباً على صحة افراد المجتمع خاصة ذوي الدخل المتدني ويطيح بها. اما النموذج الاجتماعي المثالي للصحة الصالحة فتؤثر به وتحفزه نواحي صحية محددة مثل: الرعاية الصحية الاولية والثانوية بالإضافة الى التصرفات الشخصية، والتأثر بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وجميعها تتشكل وتظهرها وتؤثر عليها عوامل واسعة النطاق اهمها العوامل السياسية.
اما اكثر الامور المقررة والمحددة للصحة فهي الثقافة الصحية والتي توفر سبيلاً وممراً للتوعية وطريقاً للتوظيف الذي يؤمن دخل الفرد ليساهم في معيشته الصحية مع عائلته. كذلك المهارات التي تساعد قابليتها الى التحرك والانتقال من حالته الفردية الى وسط المجتمع الذي يعيش فيه. من الملاحظ ان التعليم الاكاديمي للأشخاص البالغين قد ساهم جوهرياً لتقليل نسبة المرض لديهم مقارنة بالأشخاص الذين لم يحصلوا على التعليم. ورغم ذلك فان التفاوتات والتغيرات ربما لها علاقة اكثر بدخل الفرد وليس بعلاقته بدرجة التعليم.
اما الدراسات ا لهامة لبعض العلماء مثل د. Chetty وفريقه وقد نشرتها مجلة JAMA 1/4/2016 فتلقي الضوء على العلاقة بين دخل الفرد ومعدل العمر. اما استخدام مصادر البيانات الابتكارية والابداعية مثل الضريبة وسجلات الضمان الاجتماعي فان الباحثين وضحوا وفسروا شكل وهيئة التركيب الانشائي للعلاقة الغير مكتشفة للتفصيلات حول التطور عبر الايام ومن خلال المجتمعات. وعلى سبيل المثال وبناء على المعطيات المنظومة منذ عام 2001 حتى 2014 فقد تم احصاء وحساب الفجوة في معدل الاعمار للأثرياء والفقراء بنسبة 1% للأشخاص كان (6,14 سنة للرجال) و(1,10 سنة للنساء). اما العمر المتوقع وتغيراته لسنوات، يتفاوت بين منطقة واخرى حسب المناطق. اما اخر دراسة حول هذا الموضوع فبينت انها قامت فقط بفحص معدل العمر في سن الاربعينات بواسطة نسبة معطيات الدخل اي: العمر المتوقع عند الولادة، واحصاءات اكثر شيوعاً ومعرفة يمكن ان تتأثر باختلافات بسبب الدخل. الباحثون قاموا باستثناء افراد المجتمع ذوي الدخل المتدني او الذين ليس لديهم اي دخل. ومع ان العلاقة بين الدخل والصحة تتأثر بالأحوال المحيطة، فقط حدد الباحثون تحليلاتهم لشرائح جغرافية كالمحافظات والالوية. والنتيجة كانت مفيدة لتجمعات تحتوي على 000,59 فرد وهذه النتائج حول الاماكن المأهولة مائة بالمائة اعطت نتائج هامة يستفيد منها القادة والمواطنين. المعطيات دلت على ان دخل المواطن الامريكي قد توقف لمدة مرتين عندما كان الثراء ينتقل بسرعة فائقة للطبقة الغنية (Upper Class) اما المشكلة الحالية فهي تباعد التطورات بين طبقات المجتمع وتأثر الطبقة الوسطى بشكل كبير وهو موضوع الساعة. وحالياً فان المؤشرات للصحة العامة تبين تسجيلات لتدهور الصحة العامة لأسباب اجتماعية ومالية يعانيها المجتمع. كما ان الوضع اصبح اسوأ بوجود وحدوث سلبيات في المجتمع بسبب ضعف التعليم او دخل الفرد الذي انحدر بشدة. كما ان معدل اعمار البيض ذوي الدخل المتدني قد انخفض وقد بينت احدث البحوث ان ذوي الدخل العالي في الفترات (2001) (2015) يتمتعون بصحة افضل وزيادة في معدل الاعمار. لكن ذوي الدخل الضئيل فمعدلات اعمارهم اقل. اما في الاردن فلا شك انه ورغم الهاجس الامني بسبب ما يحدث وحدث بعد الربيع العربي فان المؤشرات الصحية التي تصدر عن منظمة الصحة العالمية ومنظمة الامم المتحدة للطفولة اظهرت عام 2015 تحسناً ملحوظاً في انخفاض معدل وفيات الاطفال دون سن السنة والخامسة الى 18 بالألف. وارتفاع معدل العمر الى 74 كذلك مؤشرات اخرى مثل تدني نسبة البطالة مقارنة بعام (2009) وارتفاع نسبة الطلبة في المدارس وتحسن في مستوى الصحة العامة وتغطية معظم الاردنيين بالتأمين الصحي المجاني.