د. صلاح جرّار
في آخر زيارة لي للجزائر، وصلت إلى ولاية بسكرة في الجنوب الشرقي من الجزائر، وزرت بلدات أولاد جلّال والدوسن وطولقة وسيدي خالد وسيدي عقبة وغيرها، وذلك برفقة مجموعة من الأصدقاء الجزائريين من أهل الفن والشعر والإبداع ومجموعة من المشاركين في الأيام الأدبية التي نظمتها جمعية بسمة الثقافية في الدوسن.
وفي أثناء تجوالنا في بسكرة والبلدات الأخرى، كان أصدقاؤنا الجزائريون يحدّثوننا عن الثورة الجزائرية ضدّ الاستعمار الفرنسي وعن الشهادة والشهداء، وكانوا كلّما مررنا بأحد المباني القديمة يقولون: هنا كان سجنٌ فرنسي، وهنا كانت قلعةٌ فرنسية، وهنا كان مركز للجيش الفرنسي، وهذا الحيّ كان يسكنه الفرنسيّون، حتّى الإذاعة المحليّة في بسكرة كانت مبنى للفرنسيين، ومبنى بلدية بسكرة الحالي كان أيام الفرنسيين، وأشاروا لنا إلى الشجرة التي كان يجلس في ظلّها الثائر الجزائري المشهور العربيّ بن مهيدي قبالة منزله، إلى غير ذلك ممّا لا يُحصى كثرة.
وكنت في أثناء النظر إلى تلك المباني والأحياء التي كان يقيم بها الفرنسيون تارةً أشعر بالغضب على جرائم الاحتلال الفرنسي وانتهاكاته البالغة للإنسانية، وكنت تارة أشعر بالفرح والتفاؤل، لأنّ الذي أخرج الفرنسيين وطردهم من الجزائر رغم قوتّهم الفائقة وجيوشهم الجرارة واستيطانهم الكثيف، قادرٌ على دحر الاحتلال الصهيوني من فلسطين رغم غطرسته البالغة وأسلحته التدميرية وأحلامه الزائفة إن شاء الله واستيطانه المنتشر في أوصال الأرض الفلسطينية.
إنّ على كلّ من ينتابه الإحباط واليأس من زوال هذا الاحتلال، أن يقرأ التجربة النضالية الجزائرية التي تبعث على الفخر والاعتزاز والتفاؤل والأمل، لكي يوقن أن لا بد من زوال الاحتلال، ولكن لا بدّ قبل ذلك لهذا الاحتلال أن يعلم أن لا استقرار له ولا أمن في وطن ليس له فيه ذرّة من تراب، ولا ذرّة من تقبّل ورضا.
ولسوف يأتي اليوم –بإذن الله تعالى- الذي سيقال فيه: هنا كان حاجز احتلالي، وهنا كانت مستوطنة، وهنا كان مقر الحاكم العسكري، وهنا كان مقرّ بلدية القدس الصهيونية، وهنا وهنا.... الخ.
[email protected]