بلال حسن التل
إلى مجلس النواب
تشكل الرسالة التي بعثت بها جماعة عمان لحوارات المستقبل، إلى السادة رئيس وأعضاء مجلس النواب الأردني الثامن عشر، جزءاً مهماً من خارطة طريق للوصول إلى حياة برلمانية ناضجة يتطلع إليها الأردنيون.
تبدأ الرسالة بحث أعضاء المجلس على العمل لإعادة بناء الصورة الإيجابية للمجالس النيابية، في ضمير ووجدان الأردنيين، بعدما لحق بهذه الصورة من تشوهات خلال السنوات القليلة الماضية، بفعل بعض الممارسات النيابية غير المألوفة في حياتنا النيابية الراسخة، مما جعل شعبنا يستغربها، ويأمل بأن لا يراها مرة أخرى تحت قبة البرلمان، من خلال حرص أعضاء المجلس الثامن عشر على بناء صورة إيجابية لمجلس النواب، بأداء متميز أولى علاماته التي يتطلع إليها الأردنيون هي الجدية التي يجسدها الالتزام بحضور الجلسات العامة للمجلس، وجلسات لجانه المختلفة، فكثيراً ما تألم الأردنيون من فقدان الجلسات العامة لمجلس نوابهم لأنصبتها القانونية، مما كان يعيق عمل المجلس، ويقلل من إنتاجيته، وهي ممارسة تمنت الجماعة في رسالتها بأن لا يقع فيها أعضاء مجلس النواب الثامن عشر.
تضمنت الرسالة العديد من القضايا والمقترحات، التي تستحق الأخذ بها، من ذلك تقدم مفهوم نائب الخدمات ونائب الجهة، على مفهوم نائب الوطن ونائب التشريع والرقابة،ما اعتبرته الجماعة تشوهاً كبيراً لحق بصورة مجلس النواب لأن كليهما: مفهوم نائب الخدمات ومفهوم نائب الجهة، لا يرقيان إلى مستوى الدور الذي رسمه الدستور الأردني للبرلمان عندما جعل أولى مهمات النواب التشريع والمراقبة والمحاسبة، وهو الدور الذي يتطلع أبناء شعبنا إلى أن يمارسه مجلس النواب الثامن عشر، كاملاً وأن لا يقايضوا هذا الدور بالخدمات والتعيينات.
ومن ذلك أيضاً ما تمنته جماعة عمان لحوارات المستقبل في رسالتها إلى النواب من أن يكون مجلسهم قناة من قنوات إصلاح الاختلالات الاجتماعية، التي أصابت مجتمعنا، وأبرزها الواسطة والمحسوبية، من خلال امتناعهم عن ممارستهما، وبذلك يكون المجلس في مكانه الطبيعي مسانداً لجلالة الملك في ترسيخ مفهوم دولة القانون وسيادته، التي أكد عليها جلالته في الورقة النقاشية السادسة.
كما حذرت الجماعة من ممارسة أخرى، نسبت إلى بعض أعضاء المجالس النيابية السابقة، تتمثل باستغلال الموقع النيابي لتحقيق مكاسب لهم ولذويهم، خاصة في مجال العطاءات، مما كثر اللغط حوله لتناقضه مع مبادىء الشفافية والنزاهة ولمخالفته لأحكام الدستور الأردني.
ومن القضايا المهمة التي تضمنتها الرسالة لفتها النظر إلى ممارسة أخرى، ساهمت في تشويه صورة المجالس النيابية في أذهان المواطنين، عندما كان هؤلاء النواب يقتحمون على المسؤولين أوقاتهم بدون مواعيد مسبقة، مما كان يربك أداء هؤلاء المسؤولين من جهة، ويشكل من جهة أخرى اعتداء على أوقات وحقوق المراجعين من المواطنين،الحاضرين في مكاتب المسؤولين بمواعيد مسبقة، في ممارسة يأمل الأردنيون أن تختفي من سلوك أعضاء مجلس النواب الثامن عشر، بأن يتم تنظيم العلاقة بين النواب والمسؤولين في السلطة التنفيذية من خلال وزارة الشؤون البرلمانية، وأن تتم مراجعات السادة النواب للمسؤولين وفق مواعيد مسبقة، تنظمها وزارة الشؤون البرلمانية، أو من خلال الأمانة العامة لمجلس النواب وهو تنظيم من شأنه حفظ أوقات وحقوق ومكانة جميع الأطراف.
القضية الأهم في مجال تنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية هو طلب جماعة عمان لحوارات المستقبل بعدم ضرورة حضور رئيس الوزراء والوزراء كل جلسات مجلس النواب، لأن في هذا الحضور تعطيلأ لسير عمل وزاراتهم، وتعطيلأ لمعاملات المواطنين وأن يقتصر الحضور على الوزير الذي يتضمن جدول أعمال جلسة المجلس قضايا ذات علاقة مباشرة بوزارته، ويمكن أيضاً عقد جلسة رقابة شهرية يحضرها مجلسا النواب والوزراء.
ومن القضايا المهمة التي تضمنتها الرسالة مطالبتها النواب بسرعة الإنجاز التي يأمل الأردنيون أن يتصف بها مجلس النواب الثامن عشر، سواء على صعيد التشريع أو الرقابة والمحاسبة، مما سيضيف إلى المجلس شرعّية الإنجاز، بالإضافة إلى شرعّية الصناديق،ومما سيساعد على سرعة الإنجاز وبناء شرعيته، هو أن تسود مجلس النواب روح العمل الجماعي، من خلال بناء كتل نيابية متماسكة ودائمة تعمل على تحقيق برامج واضحة ومعلنة يأمل الأردنيون، بأن تتحول هذه الكتل مع الأيام إلى نواة لأحزاب أردنية فاعلة ومؤثرة تغني الحياة السياسية الأردنية التي تشكل السلطة التشريعية أحدى أهم ركائزها.
خلاصة القول هي أن رسالة جماعة عمان لحوارات المستقبل إلى السادة رئيس وأعضاء مجلس النواب تمثل خطوة كبيرة في الحوار الإيجابي بين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدستورية، بهدف خلق مشاركة حقيقية ترتقي بأدائنا العام إلى الدرجة التي نأملها جميعاً
[email protected]