رأينا
ربما يكون اليوم اكثر من أي يوم مضى لأن نقوم بالاعتماد على انفسنا، بعد ان بدأ العالم الذي ألفناه، بالتغيير على نحو غير مسبوق، وبخاصة ان الأزمات الاقتصادية تعصف بكثير من اقتصادات العالم القوية وبدأت مرحلة العجوزات الضخمة في موازنات دول عديدة، لم تكن أكثر التوقعات تشاؤماً، تعتقد ان يوماً سيأتي وتكون تلك الدول الغنية ذات الوفرة المالية والاقتصادية الكبيرة، عرضة لمثل هذه الهزات التي بدأنا نتعرض اليها في موازنات دول اقليمية واخرى دولية..
مناسبة هذا الحديث، هو لفت أنظار الأردنيين في أن اشياء كثيرة في طريقها الى التغيير وبالتالي بات مطلوباً منا أن لا نضع تصورات وخططاً تعتمد في اجزاء رئيسة منها على هِبات ومنح وقروض ميسرة، كانت في متناول اليد في زمن غير هذا الزمان الذي يعبره العالم وبدأت دول عديدة تضع مصلحتها ومصالحها فقط أولوية لها في الإنفاق او المنح او المسارعة الى تقديم مساعدات لدول فقيرة او ذات اقتصادات تتعرض لهزات جراء أزمات غير محسوبة كتلك التي تعرض لها الأردن وما يزال خصوصاً في مسألة وجود أعداد هائلة من اللاجئين والنازحين والهاربين من جحيم الحروب الاهلية والهجمات الارهابية والاقتتال الذي ما يزال يفرض نفسه على ساحات مجاورة في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من البلدان المجاورة التي نتأثر بها في شكل مباشر، فيما تتلكأ دول عديدة في تقديم المساعدة او النهوض بمسؤولياتها السياسية والقانونية والاخلاقية والانسانية، ورأينا نحن في الأردن كيف ان دولاً جديدة تعهدت بتقديم مساعدات تساعدنا على مواصلة تقديم خدماتنا الإغاثية والانسانية لهؤلاء اللاجئين، إلاّ ان ترجمة الأقوال الى أفعال وجدت طريقها الى عدم التنفيذ واذا ما نُفذ شيء منها فإنه قليل لا يفي بالحاجة ، ويُبقي مواردنا المحدودة والمستنزفة وموازنتنا السنوية ومرافقنا العامة تحت وطأة هذا اللجوء الذي لا يلوح في الافق القريب أي ضوء في نهاية النفق يريحنا من هذا العبء الثقيل والمؤذي لاقتصادنا الوطني فضلاً عن تداعياته وآثاره السلبية على مشكلتي الفقر والبطالة الآخذتين بالاتساع افقياً وعامودياً..
حان الوقت للاعتماد على النفس وعدم السماح لأحد أو أي جهة داخلية كانت أم خارجية بالمضي قدماً في سياسة الاستنزاف والوصول بنا الى أزمة متمادية وعميقة، لن نجد أحداً يساعدنا على الخروج منها بأقل الخسائر او الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية..
من هنا يجدر بنا ان نعيد رسم سياستنا هذه وفق ما هو متاح وما هو مؤكد ولا نبني أوهاماً أو تصورات غير واقعية لن تسهم إلاّ في اتساع الفجوات بين الواردات والأكلاف وبين ما هو مجرد أرقام موعودة قد تأتي وبالتأكيد لن يأتي الكثير منها ما سيسهم في عدم تنفيذ مشروعات رأسمالية، واخرى خدمية وثالثة تستهدف سد الفوارق في المداخيل بين شرائح المجتمع المختلفة التي يصعب على أحد إنكارها أو التقليل أو القيام بعمليات ترحيل لها، ستتفاقم لاحقاً ولا نجد من يهرع لمساعدتنا في التغلب عليها او تقليل أكلافها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية وأيضاً الاستهلاكية في حدودها الدنيا..
سياسة الاعتماد على النفس التي يجب وبالضرورة ان نبدأ على الفور ببلورتها، يجب ان تنهض على تخفيض حجم الانفاق وترشيد الاستهلاك والبحث عن بدائل حقيقية وملموسة لتخفيف أكلافها وخصوصاً في قطاع الطاقة الذي تؤشر الدلائل والأرقام ان العام الجديد سيشهد ارتفاعاً في اسعارها دولياً بعد ان اتفقت دول اوبك وتلك الدول المنتجة للنفط من خارجها على تخفيض الانتاج ما سيعني ارتفاعاً متدحرجاً في اسعارها سنكون في مقدمة المتأثرين بها كوننا نستورد النفط ومشتقاته بالاسعار العالمية..
الدعوة الى سياسة الاعتماد على النفس ليست ترفاً او شعاراً يتم رفعه في المناسبات او عند بروز مؤشرات على بداية تغيير في سياسات الدول الغنية وتلك المنتجة للنفط او الدول المانحة التي تُكثر من اطلاق الوعود والتعهدات ، لكنها لا تترجم على أرض الواقع الى أرقام وحيثيات.. بل يجب ان نبدأ بالتأسيس لها واعتمادها منهاج عمل وتخطيط وممارسة.. فهل نبدأ؟