عبدالهادي راجي المجالي
أنا استمع لإذاعة عراقية في عمان , يبدو أنها تبث فقط للأشقاء العراقيين هنا واسمها :- (إذاعة الرشيد) ...وتذكرني أصوات البنات اللواتي يتصدرن (المايكريفون) ببغداد ..حين كنا نذهب إليها في نهاية التسعينيات ونقيم في فندق الرشيد ...وهناك في الممرات , تداهمك اللهجة العراقية المعتقة وتعشقها لأنك تعشق العراق ..وحين تمر في المقاهي تسمع :- ( داخل حسن , الكبنجي , فؤاد سالم )...حتى اللحن هناك , حتى الوتر.. له هوية عراقية .
في هذه الإذاعة لايوجد :- (هيدا , شو بك , انطرونا ..الخ) يوجد فقط العراق باللهجة , وبالأغاني , وبالاتصالات , وبإعلانات المطاعم , وأسعار الشقق ..كل شيء بالعراقية , وتحترم هذا الإعلام لأن له هوية حافظ عليها ..واحترمها ..
غريب أمر العراقي , فهو يعيش في وطن , صمت الشعراء فيه ولكن اصوات الرصاص لم تصمت , وقد احتلت مدنه , وحوصرت أخرى ويكتوي بنيران الطائفية , والدم فيه موزع بين الجنوب والشمال ...ومع ذلك في خطابه الثقافي والإعلامي , بقي مصرا على لهجته ومصرا على الأغنية والقصيدة وحتى المطاعم العراقية المنثورة في أرض عمان , هي الوحيدة التي تعلن تلك الإذاعة عن أماكنها , وعن أنواع الطعام العراقي فيها .
ونحن للأسف خطابنا موزع بين اللبنانية والإنجليزية , واللغة الهجين ..نعتز بكل هويات الأرض وننسى هويتنا ...
شكرا للبنات اللواتي يقمن ببث برامجهن باللهجة العراقية ,فقد أكلن من البلح الذي نبت على سفح دجلة وشربن من ماء بغداد , وشكرا لمن أقام هذه الإذاعة في عمان ..فقد ذكرني بالصبا والهوى القومي ...والأحلام التي زرعناها ذات يوم في (الكرادة) علها تثمر بارودا ورصاصا ويكون العراق حرا عربيا سيدا ...شكرا للشباب فيها الذين يصرون على بث أغاني :- رياض أحمد وياس خضر , والكبنجي ...فهم ربما نزعوا من مدارسهم في الأعظمية ومن بيوتهم ..ولكن العراق لم ينزع من أرواحهم ...أبدا .
بصراحة معجب جدا بهذه الإذاعة , فهي لا تبث دلعا أو غنجا ..أو تفاهات إعلامية , هي تبث العراق لهجة وأغنية ووطنا ...والعراقي إذا تحدث تعرفه فورا ..أما نحن فحين تسمع إذاعاتنا ..تحتار في المكان والهوية واللحن ..
حتى حزنهم له هوية , لنتعلم من إذاعة الرشيد كيف يكون للحزن هوية إذا.
[email protected]