عماد عبدالرحمن
حتى اليوم، يتم التعامل مع مشكلة العنف الطلابي في بعض من جامعاتنا بطريقة «رخوة»، دائما يكون الصوت الاعلى للتدخلات و « تقبيل اللحى»، فما إن تنتهي مشكلة تطل أخرى برأسها في مكان آخر، وكأننا نريد ان نسمع خبراً /لا قدر الله/ عن مقتل طالب على يد زميله في إحدى الغرف الصفية بإحدى الجامعات.
قد يكون تعميم فكرة ان جامعاتنا تفيض بالعنف الطلابي، غير منصف، رغم أن حدوث مشكلة واحدة كل بضعة اشهر يعطي انطباعا ان بعض الجامعات يسودها العنف، وهذا مرده الى مشاركة أطراف خارجية بالمشاجرات، واستخدام أدوات حادة، والتهاون بتنفيذ القانون والعقوبات، الذي يصطدم عادة بتوفر الحماية الاجتماعية، وتورط موظفين في أحيان أخرى بالتحريض او التغطية، والتواري خلف العادات والتقاليد التي نفتخر ونعتز بها كمجتمع عربي اصيل.
في حديثه لرؤساء الجامعات امس الاول، بادر جلالة الملك لاطلاق مبادرة مستقبلية، يتوافق فيها الجميع على وضع حد للعنف في الجامعات في العام 2017، لتكون بمثابة عهد طلابي وإداري جامعي، لوقف المشاجرات والنزاعات، سيما وأن القضية تجاوزت كل الحدود، ولم يعد من الممكن السماح باستمرارها في « مَفْرخة « النخب المتعلمة في مجتمعنا، وقد إرتكز الحوار ايضا على أهمية تطبيق القانون وعدم التهاون في إنفاذه، لضمان عدم تكرار مثل هذه المشاجرات، كمدخل للمعالجة الاشمل للقضية التي باتت تؤرق الاهالي والمجتمع ككل.
ما نحتاجه ،أيضا، جهد طلابي تشاركي لإنجاح هذه المبادرة وضبط المشاجرات ووأدها في مهدها قبل أن تتسع وتتفاقم، فالطلبة أدرى بطريقة تفكير وسلوكيات بعضهم البعض، وهم الاقدر على حل النزاعات فيما بينهم، ويمكنهم الاستعانة بالكوادر التدريسية لحل اي مشكلة قد تنشأ هنا أو هناك ولاي سبب كان، وهنا يكمن دور مجالس الطلبة المنتخبين ليس فقط للدفاع عن حقوق الطلبة، ولكن لحماية زملائهم وجامعاتهم ومجتمعهم من العنف والفوضى.
إذا دققنا وتفحصنا اسباب المشاجرات الجماعية، التي تبدأ عادة بشخصين إثنين، وسرعان ما تمتد تحت وطأة الحمية والفئوية والجهوية، نجد أن اسبابها تكون إما لخلاف على دور الحافلات، أو «جَحْرة « مستفزة، او جلوس على كرسي..الخ، إذا جلها اسباب « تافهة « لا تساوي تبعات تلك المشاجرات وأضرارها على المجتمع والطلبة والعملية التعليمية برمتها.
التوصيات، التي خرجت من رحم اللجان المتخصصة والمكلفة بدراسة اسباب الظاهرة، تركيزها على اشغال وقت الطالب بالبحث والقراءة والمناهج اللاصفية، ولم تولِ الجانب الفكري والسلوكي او البدني للطلبة اهتماما سوى القليل، فالمطلوب ليس تحميل الطالب المزيد من الاعباء الدراسية فقط، بقدر ما يحتاج الى توجيه سليم لميوله وقدراته البدنية والذهنية والرياضية والفكرية، من خلال توجيه كل طالب في مجال اهتماماته، والتعرف الى احتياجاته النفسية والفكرية والسلوكية، وهذا يتطلب كوادر متخصصة لا تقل اهمية وجودها عن الاستاذ الجامعي، او الموظف الاداري.
يمكننا وضع حد لهذه الآفة المُريبة، وقد نجحنا في مفاصل كثيرة عندما قررنا تطبيق وإحترام القانون، خصوصا في مشكلة إطلاق العيارات النارية بالافراح، واستخدام الالعاب النارية وألعاب الاطفال الخطرة، البداية تكون من داخل المحيط الاسري والمجتمعي للمتورطين في العنف الطلابي أيضا، من خلال عدم التغطية أو التدخل والحماية للمخالفين، أي «الضبط الاجتماعي»، وبعد ذلك يأتي دور المدرسة والجامعة، واهمية ايلاء الحوار ومناقشة السلوك داخل الغرف الصفية، والانتقال بالطالب من التعليم بالتلقين الى المشاركة، جانبا لا يقل اهمية عن المواد المقررة للطلاب.
[email protected]