رأينا
حفلت زيارة الدولة التي بدأها جلالة الملك عبدالله الثاني يوم أمس لأُستراليا، بكثير من المحطات واللقاءات المهمة الهادفة إلى تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين عمان وكانبيرا في مختلف المجالات وعلى كل الأًصعدة، فضلاً عن التعمق في بحث مجالات محاربة الارهاب والتعاون الأمني والقانوني وضرورة تبادل الخبرات بين البلدين في هذا الخصوص، وهو ما تجلّى في اللقاء الذي جمع جلالته بالحاكم العام لأُستراليا بيتر كوسغروف والمحادثات التي أجراها جلالته مع الحاكم العام سواء في ما خصّ تعزيز التنسيق بين الاردن وأُستراليا في مجالات العلاقات الثنائية والتأكيد على القيّم المشتركة التي تجمع البلدين أم في شأن تأكيد جلالته على أهمية مواصلة الجهود الاقليمية والدولية في التصدي للارهاب وعصاباته، ضمن إستراتيجية شمولية للحفاظ على أمن واستقرار العالم أجمع، وهو أيضاً ما بحثه جلالته مع مسؤولين أُستراليين وقيادات أمنية مثل زعيم الائتلاف الحاكم في مجلس الشيوخ الأُسترالي، المدعي العام، السناتور جورج برانديس، ووزير العدل ومساعد رئيس الوزراء لشؤون الارهاب مايكل كينان، اضافة بالطبع إلى استعراض ما يتحمله الأردن من أعباء جراء استضافة اللاجئين السوريين، حيث أعرب جلالته عن تقديره لأُستراليا لتقديمها الدعم والمساعدة للدول المستضيفة ولا سيما المملكة، وبما يسهم في تخفيف أعباء اللجوء السوري عليها، وتمكينها من مواصلة تقديم الخدمات الإنسانية والإغاثية لهم.
كذلك، كانت المقابلة التي أجرتها محطة (ABC) التلفزيونية الأُسترالية مع جلالة الملك وبثتها يوم أمس، لافتة في ما انطوت عليه اجابات واضاءات جلالته على مجمل المشهدين الاقليمي والدولي، وبخاصة قراءة جلالته لانتخابات المرشح الجمهوري دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية والآثار والاحتمالات المتوقعة لسياساته على مجمل المشهد الدولي وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط ومسار الأزمات التي تعصف به بدءاً بالأزمة السورية وليس انتهاءً بالحرب الدائرة على الارهاب التي تخوضها دول عالمية بمشاركة اقليمية فاعلة وحثيثة ومن ضمنها الأردن.
من هنا، جاءت اجابات واضاءات جلالة الملك على أسئلة الاعلامي توني جونز مقدم البرنامج الحواري السياسي (ليتلاين) على محطة (ABC)، واضحة وشاملة وعميقة ومستشرفة للمستقبل، وبخاصة تأكيد جلالته على ان رئاسة ترامب ستؤدي إلى تغيير الوضع القائم في منطقة الشرق الأوسط، وللعديد من القضايا التي نتعامل معها، الأمر الذي يفرض علينا الانتظار لرؤية الفريق الانتقالي للرئيس، ووجهة نظره إزاء منطقة الشرق الأوسط، كما باقي العالم، حيث لفت جلالته إلى انه لا يعتقد ان منطقتنا وحدها هي التي تنتظر بترقب وانما العالم أجمع.
وإذْ وصف جلالته حديثه الهاتفي مع الرئيس المنتخب الأُسبوع الماضي بأنه مستوى التناغم فيه كان جيداً جداً وأن جلالته يعرف عدداً من أفراد الفريق الانتقالي، فإنه حرص على الإشارة إلى ان الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات، ما يعني أنّ تغييراً سيحدث في السياسات، لكن ليس بالمستوى الذي يعتقد البعض انه يدعو للقلق، لذلك دعا جلالته إلى ان «نُحْسِنَ الظنَ ونعطيهم الفرصة للعمل».
ولأن جلالة الملك كما هو معروف عنه في كل المحافل واللقاءات والقمم التي يعقدها مع زعماء العالم يقرأ الأمور والسياسات العالمية بواقعية وبُعد نظر وحكمة، فإنه كان واضحاً للغاية في قراءة أو توقع السياسات التي سيتبناها الرئيس المُنتخب إزاء الأزمة السورية على وجه الخصوص، حيث كل الخيارات مطروحة على الطاولة في الوقت ذاته، الذي لفت جلالته إلى مسألة مهمة وهي انه لا يمكن حل الأزمة السورية بدون الروس، ما يعني ايضاً أنّ علينا الانتظار في هذه المرحلة لنرى طبيعة الاستراتيجية الاميركية، وكيف سيتم التعامل مع الروس، إضافة إلى ان ما يحدث في حلب هو مأساة إنسانية، حيث لخص جلالته الأمر في النهاية بالقول انه لا يعتقد ان بامكاننا عمل الكثير حتى تأخذ الادارة الجديدة موقعها وتبلور استراتيجيتها ويتم التواصل مع الروس..
في إجاباته حول الارهاب ومحاربته، كان جلالة الملك حازماً وواضحاً وصريحاً، ليس فقط في شأن التأكيد على ان تدمير داعش يجب ان يكون اولوية للجميع وان جلالته مُستمر بالتذكير بأن هذا الهدف هو صميم الحرب الدولية على الإرهاب، وانما أيضاً في تذكير العالم أجمع بالقراءة الأردنية لهذه المسألة المهمة وهي ان الحرب على الإرهاب ننظر اليها كحرب داخل الاسلام وبالتالي لا يمكننا الانتصار فيها بدون دعم باقي الأديان والدول الاخرى، إذْ أنّ الخطر الذي يُشكله الإرهاب ليس محصوراً في العراق وسوريا فقط، بل نواجهه في ليبيا وفي خطر بوكوحرام والشباب في الصومال وطالبان وحتى في أُستراليا تواجهون تحديات شبيهة، ما يعني بعبارة ملكية صريحة للغاية ومختصرة، ما لم يتم مواجهة هذا التحدي بمنظور شمولي وعالمي، فإننا لن ننتصر، ولا بد أن نكون قادرين على مواجهته في أكثر من ميدان».