د. صلاح جرّار
من النّاس من يضحك النّاس بضحكته في أثناء عرض نكتته، لا من النكتّة ذاتها، فقد تكون النكتة خالية من أي مضمون أو لغز يثير الضحك أو حتّى الابتسام، وهذا كثير في من يسعون إلى إضحاك النّاس وإثبات حضورهم في المجالس.
ومثل ذلك أيضاً الشاعر الذي يستطيع أن يشدّ انتباه الجمهور ويلفت نظره، وربما يثيره، من خلال قدرته البارعة في الأداء فيرفع صوته ويخفضه ويلوّن فيه ويحرّك يديه يميناً وشمالاً وفي سائر الاتجاهات ويتحكم في ملامح وجهه من حزن إلى غضب إلى سخرية إلى فرح إلى غير ذلك، وقد تكون قصيدته خالية من أي مضمون ذي شأن أو فكرة جديدة أو صورة مدهشة.
وكذلك الراقص فإنه كثيراً ما يخدع النّاس بملابسه الملوّنة العجيبة لا بأدائه المميّز وحركاته المتقنة وابتكاراته المدهشة.
وكثيراً ما نجد كذلك مغنيّة لا تُحسن الغناء أبداً ولكنها تأسر المشاهدين بحركاتها الراقصة في أثناء أداء أغنيتها، فيظنّ الناس أنّ أغنيتها جميلة وبارعة، ويغيب عن بالهم أنّها خدعتهم برقصها وحركاتها التي لا علاقة لها بالأغنية.
وما يقال عن المضحك والشاعر والراقص والمغنية يقال عن كثير من أصحاب الاختصاصات والمهن والحرف والأعمال الذين يعتمدون في تزيين أعمالهم الضعيفة على أدوات ووسائل ليست من صميم الاختصاص أو الهدف المقصود، كأصحاب المطاعم الذين يملأون معدة الزّبون بالمقبلات قبل أن يقدّموا له الوجبة الرئيسية.
وأبرز شاهد على انتشار ظاهرة خداع الناس من خلال صرف أنظارهم عن الهدف الأساسي الذي لم يتحقق على النحو المطلوب إلى منجزات ثانوية برّاقة هو ما يحدث في إعلام الدول الضعيفة التي تتراجع على سائر الصعد السياسية والاقتصادية والعلمية، فإن هذا الإعلام يوهم الشعوب بتحقيق انتصارات سياسية وعسكرية كبيرة وإنجازات علمية واقتصادية وعمرانية وسواها ولكن على شاشات القنوات الفضائية فقط.
وفي هذه الحالات جميعاً فإنّ سبب انطلاء الخدعة على أي شخص هو ضعف انحيازه للهدف الذي يسعى إليه، فإذا ما حدّق جيّداً في هدفه الأساسي وشحذ وعيه وإرادته فإنّ أحداً لن يستطيع أن يخدعه بأي خدعة بصرية أو حركيّة أو غيرها.
[email protected]