رأينا
أسس خطاب العرش السامي الذي أفتتح به جلالة الملك عبدالله الثاني الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة الثامن عشر في السابع من الشهر الجاري، والذي جاء مختصراً ومكثفاً بما انطوى عليه من إشارات ورسائل دون أن يدخل في التفاصيل والخطط والبرامج التي يتناولها البيان الوزاري للحكومة إنما في الإضاءة على ما ينتظرنا من عمل ومهمات وأولويات في المرحلة الجديدة التي نعبرها بعد انتهاء الاستحقاق الأردني الكبير الذي تمثل في إجراء انتخابات نزيهة وشفافة في العشرين من أيلول الماضي، كما تستعد للبدء فيه السلطتان التنفيذية والتشريعية للنهوض بمسؤولياتها الدستورية والوطنية في إطار من التعاون الذي لا يلغي استقلال كل منهما وإنما تتكامل أدوارها من أجل خدمة المصالح الوطنية العليا، على النحو الذي حدده الدستور وأضاء عليه جلالة الملك عندما قال في وضوح وصراحة: لقد وجهت حكومتي التي آمل أن تستمر طيلة فترة مجلس الأمة الثامن عشر وطالما تحظى بثقة مجلس النواب الموقر، أن تحرص على توخي الموضوعية والواقعية في بيانها الوزاري الذي ستقدمه إلى مجلس النواب لنيل الثقة على أساسه، واضعةً في قمة أولوياتها التعاون مع مجلس النواب بروح المسؤولية والتشاركية والتكاملية، وعلى الأساس الدستوري في الفصل بين السلطات وعلى أساس خدمة الصالح العام..
وضوح ملكي كامل في رسم تفاصيل المشهد الأردني الراهن بالمستقبلي والذي بموجبه سيتم التعاطي مع آليات ووسائل المرحلة المقبلة حيث ترك جلالة الملك لكل سلطة أن تنهض بمسؤولياتها وأن تكون في مواجهة مباشرة مع ذاتها ومع الأردنيين كافة وعلى كل منهما أن تنجح في اختبار النتيجة دون الاتكاء على أي سند غير أعمالها والتزامها الدستور والتزام أعضائها سواء الفريق الوزاري أم مجلس النواب المنتخب بالقسم الدستوري الذي أدّوه وعاهدوا الله والشعب أن يكونوا على مستوى المسؤولية..
نحن إذاً أمام سلطة تنفيذية تستعد لطرح برنامجها الوزاري أمام مجلس النواب وفق المهلة الدستورية حيث أكد رئيس الوزراء في كلمته أمام المجلس بعد أن قدم التهنئة لرئيسه استعداد الحكومة في الوقت الذي يناسب المجلس لعرض برنامجها ونيل ثقة المجلس على ضوئه، هذا البرنامج الذي نحن على ثقة بأنه يستلهم رؤى جلالة الملك في المرحلة المقبلة سواء في ما خص رفع سوية اقتصادنا الوطني، من خلال سياسات اقتصادية وبرامج تهدف إلى تحقيق النمو المستدام وبما يخدم مصالحنا أولاً وأخيراً، وترسيخ المشاركة من خلال قانون اللامركزية ووضع الخطط الضرورية لتطوير القضاء وتعزيز سيادة القانون بالإضافة إلى تطوير مواردنا البشرية لتواكب متطلبات العصر وتمكّن شبابنا من تحقيق طموحاتهم.. هذا البيان سيتبعه خطاب الموازنة الذي ستعرض فيه الحكومة برنامجها الاقتصادي والإيرادات والنفقات وخطط المحافظات، إذ تشكل الموازنة تصويتاً على سياستها الاقتصادية والمالية.
من هنا وإنطلاقاً من المعطيات واضحة المعالم والعناوين التي وردت في خطاب العرش السامي وتُرك للحكومة مهمة ترجمتها في بيانها الوزاري كي تنال ثقة مجلس النواب على أساسه، أن الحكومة ربما لن تدّخر أي جهد من أجل الاستجابة لطموحات الأردنيين والعمل بدأب ومثابرة على أن يروا الانجازات بأم أعينهم وليس الاكتفاء بإطلاق الوعود وعدم تحديد الأجندة الزمنية لتنفيذ المشروعات الجديدة أو استكمال تلك التي لم تنته بعد، كي تنسجم وتتطابق أعمالها مع ما قاله جلالة الملك في خطاب العرش قبل أسبوع وهي الاستمرار في نهج الإصلاح الشامل الذي يستجيب للمتغيرات والمستجدات وضرورة التحديث والتطوير لنؤسس لمستقبل زاهر لهذا الوطن. رغم علمنا واقرارنا بأن ظروفاً صعبة وتحديات قاسية يواجهها اقتصادنا الوطني وتنوء تحته موازنتنا العامة جراء ما يحدث في المنطقة من توترات وحرائق واضطربات وأيضاً جراء الاعباء التي تتحملها مواردنا ومرافقنا العامة نتيجة اللجوء السوري الذي أسهم في تباطؤ النمو واستنزاف الموارد والامكانات الأردنية على محدوديتها..
كذلك الحال في ما خص دور مجلس النواب الذي جاء نتيجة قانون انتخاب جديد وفي أجواء من الحرية والديمقراطية تميزت بها انتخابات العشرين من أيلول الماضي ما يعني أن الوقت قد حان كي يقوم نواب الشعب عملياً وميدانياً باستعادة ثقة الأردنيين بمجلسهم النيابي وأن يكون جل عمل النواب مكرساً من أجل النهوض بالمسؤولية الدستورية لعمل السلطة التشريعية وهو مراقبة عمل السلطة التنفيذية وسن التشريعات الضرورية لإطلاق العمل الوطني العام وتحقيق آمال الأردنيين وطموحاتهم في العمل والتعليم والصحة ومحاربة الفساد والواسطة والعدالة وتكافؤ الفرص التي كانت صلب الورقة النقاشية السادسة التي طرحها جلالة الملك مؤخراً وحظيت باهتمام شعبي وحزبي ورسمي كبير، آن لها أن توضع موضع التنفيذ وفي المكانة المرموقة التي تليق بها على جدول أعمالنا الوطني.