خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

عن الانتخابات والهوية الوطنية الجامعة

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
بلال حسن التل تثير بداية الدورة العادية لمجلس النواب الأردني الثامن عشر الشهية، للعودة للكتابة من جديد عن الانتخابات النيابية، ليس عن ما أفرزته من نتائج فقط، بل والأهم من ذلك دلالات العملية الانتخابية، وما رافقها من ممارسات، أعتقد أن بعضها يدق ناقوس الخطر بقوة وعنف في آذاننا علنا ننتبه إلى الخطر الداهم، وأولى هذه الممارسات التي تدق ناقوس الخطر وتوجب اليقظة لمحاربتها هو خطر غياب الهوية الوطنية الجامعة، ليس عن خطابنا كمرشحين وكناخبين، وقبل ذلك كمشرعين، بل وبعد ذلك كله، وأخطر من ذلك كله، عن ممارساتنا العملية، وما جسدته من تغذية للهويات الفرعية المفرقة، على حساب الهوية الوطنية الجامعة.

من نافلة القول التأكيد أن صيغ قانون الانتخابات المتتالية تنافست في تغذية الهويات الفرعية، ليس من حيث الحفاظ على الكوتات القديمة، بل من حيث زيادة عدد هذه الكوتات، وصولاً إلى تقزيم الدوائر الانتخابية، مروراً بكل صيغ القانون التي غذت الهويات الفرعية، وأضعفت الهوية الوطنية الجامعة، وحالت دون ظهور قيادات وطنية جامعة، ومعبرة عن طموحات وتطلعات الأردنيين، قادرة على تغذية مفهوم الهوية الوطنية الجامعة لديهم ومن ثم برز مفهوم نائب الخدمات الذي يتلهى بلعب دور الواسطة لحساب محاسبيه في الدائرة الضيقة مما يغذي الهوية الفرعية ويرسخها.

أضف إلى ذلك دور قانون الانتخاب في طبعاته الأخيرة المتتالية في تمزيق التماسك الوطني بمكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حتى صار الانتماء للهويات المفرطة في الضيق ليس مدعاة للخجل، بل على العكس من ذلك في كثير من الأحيان، ولهذا لم يكن غريباً أن تتشكل في بعض مدننا قوائم انتخابية على أسس جهوية ضيقة، كأن تنحصر عضوية هذه القائمة أو تلك على أبناء عشائر بعينها، ليجري الرد على ذلك بتشكيل قوائم في نفس المدينة مقتصرة على أبناء منبت واحد، في رد إقليمي بغيض على ممارسة جهوية أشد بغضاً، فكنا بهذه كمن يعالج الخطأ بالخطيئة، ومع ذلك فإن أحداً من أطراف هذه الممارسات لم يشعر بغضاضة أو خجل، ولم يجد من يُقرعه على فعلته الشنيعة، التي تسيء للوطن ووحدته السكانية، التي يمهد تمزيقها لتمزيق وحدته الترابية لا سمح الله.

ليس الانتماء للهويات المفرطة في الضيق والتعصب هو الممارسة الوحيدة المقيتة، التي كشفت عنها انتخابات مجلس النواب الثامن عشر، فما هو أخطر من ذلك، الممارسة التي قامت بها فئات من المواطنين بعد إعلان النتائج، عندما أقدم بعضها على تسليم هوياتهم وأرقامهم الوطنية لبعض أجهزة الدولة، معلنين تخليهم عن مواطنيتهم، احتجاجاً على نتائج الانتخابات، وإحساساً منهم بأن حقهم قد سلب، وهو فعل قاس لا يزيد عنه قسوة إلا ما فعلته فئة أخرى من المواطنين، عبرت عن غضبها من نتائج الانتخابات بمحاولة الهجرة الجماعية إلى حيث المحتل لبقعة عزيزة من أرضنا العربية، وهذا السلوك الغاضب يؤشر إلى أية درجة من الوهن وصل إليها الانتماء للوطن، والارتباط به، عند شرائح متزايدة من أبناء مجتمعنا، الذين يشعرون بالتهميش، والذين يعزف على أوتار تهميشهم تجار الهويات الفرعية، وفي مقدمتهم أحلاس التمويل الأجنبي، وصنائعه، الذين لم يعد الواحد منهم يتورع عن الاستقواء بالأجنبي ضد وطننا، مثلما لم يعد يتورع عن أن يتحول إلى بوق للترويج للأجندات الأجنبية على حساب مصلحة الوطن.

لقد كشفت الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى أي حجم من الوقاحة وصل التمويل الأجنبي في تدخله بشؤوننا الداخلية، حتى صار يمول مناظرات في مؤسسات أجنبية حول الانتخابات الأردنية وغير الانتخابات، في تدخل سافر في شؤوننا، يساعده في ذلك بعض المحسوبين على جلدتنا، في واحدة من أبشع مظاهر ضعف الانتماء للوطن، في ظل غياب الهوية الوطنية الجامعة.

خلاصة القول في هذه القضية: تؤكد على أن الانتخابات النيابية الأخيرة لم تكشف عن أسوأ ما فينا فقط، بل كشفت أخطر ما نعاني منه، وهو ضعف الاحساس بالانتماء للوطن، مما يوجب على كل مؤسساتنا وفي طليعتها مجلس الأمة، كي تستنفر كل أدواتها، لإعادة بناء الروح الوطنية، وإعادة الاعتبار للهوية الوطنية الجامعة، وهي عملية طويلة وشاقة، لكن لابد منها عبر العمل التربوي الجاد وعبر التشريعات التي ترسخ مفهوم الوطن والهوية الوطنية، وبالتوقف عن ممارسة سياسات التهميش، واستبدالها بممارسة سياسات بناء الثقة، وأول ذلك بناء الثقة بمجلس النواب، وهذه مهمة أساسية لأعضاء مجلس النواب، الذين عليهم أن يتصرفوا كنواب وطن لا كنواب لدوائرهم الصغيرة وانتماءاتهم الفرعية.

[email protected]
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF