د. صلاح جرّار
من النّاس مَنْ يتّسمُ كلامه بالصّراحة، وهي الإتيان بالمحض الخالص ممّا يراه ويعتقده وما في نفسه دون مواربةٍ أو تعريض، وهذه في رأيي صفةٌ محمودةٌ، لأنّ فيها الصَِّدْق والوضوح وبلوغ الهدف المقصود من القول بصورة مباشرة ودون لبس.
لكنّ الناس المتّسمين بهذه الصّفة نوعان: نوعٌ يَصْفَع السامع أو المتلقي بصراحته صفعاً بأسلوب يخلو من أيّ صورة من صور الاحترام لرأي الآخرين، ونوعٌ يُحسن اختيار جمله وعباراته التي يعرض فيها رأيه الصريح دون أن يؤذي أيّاً من سامعيه أو يجرح مشاعرهم.
أمّا النوع الأوّل فهو ممّن ينفر منه النّاس ولا يتقبلونه حتّى لو كان رأيه صائباً، وهو بفظاظته قد يخسر التأييد لفكرته.
وربّما يغيب عن هذا الصّنف من الناس أن قسوتهم المتذرّعة بالصّراحة تعود عليهم بالحرج الشديد إذا ثبت أن فكرتهم التي يتبّنونها ويدافعون عنها غير صحيحة وأنّها باطلة، ففي هذه الحالة تنقلب صراحتهم الزائدة عن الحدّ ضرراً عليهم، وتجعل الناس يحكمون عليهم بالتسرّع وسوء الخلق.
وأمّا النوع الثاني من الناس الذي يتميزون بالصراحة في أقوالهم، فهم النّاس الذين يحيطون صراحتهم بعبارات لطيفة لا تنقص من قيمة الفكرة التي يطرحونها ويدافعون عنها، وهؤلاء أقدرُ من الصّنف الأول على لفت أنظار الناس وجلب انتباههم، ويملكون قدرة أكثر على الإقناع، حتى لو كانت الفكرة التي يعرضونها بصراحة فكرة واهية وإثباتاتها ضعيفة، ومثل هؤلاء تستطيع بسهولة أن تحاورهم وتنقض آراءهم دون أن تتلقى شتيمة أو صرخة في وجهك.
إنّ الصراحة لا تعني بأي حال الوقاحة والتطاول والتمادي على الحقائق وعلى الناس، بل تعني الوضوح وبلوغ الحقيقة، أمّا ما يصاحب ذلك من فظاظة أو لين فتلك وسائل لإيصال الفكرة يعتمد وجودها على درجة ذوق المتحدث الصريح وحُسن تربيته ومستوى تعليمه.
[email protected]