بلال حسن التل
لا يحتاج المراقب إلى كبير جهد, حتى يكتشف حجم التطور الإداري والتشريعي الذي حققته دائرة قاضي القضاة في السنوات الأخيرة, ولا يفوت المراقب أن يلمس بسهولة بصمات سماحة الدكتور أحمد هليل, قاضي القضاة في احداث هذا التطور, الذي حققته الدائرة, خاصة لجهة الأناقة التي لا تفارقها البساطة والمهابة في آن معا, فما أن تدلف إلى مبنى دائرة قاضي القضاة حتى تشعر بالمهابة التي تحيط بالمكان الذي يشع نظافة, ويفيض نظاماً في كل ركن من أركانه, ويزيد من رونق ذلك كله نظام «البرتوكول» الراقي الذي يحيط بزائر المكان, وهذه كلها من علامات الرقي التي صارت تتمتع بها دائرة قاضي القضاة, التي نستطيع القول أنها صارت في طليعة مؤسسات الدولة الأردنية من حيث فخامة المظهر وجزالة المخبر, وفي استخدامها لمعطيات العصر في تسيير أعمالها, ومن ثم التسهيل على مراجعيها, خاصة بعد أن أدخلت الدائرة نظام الحوسبة في جميع أعمالها, في ممارسة عملية تؤكد التزاوج الطبيعي بين الإسلام ومعطيات العصر عبر التاريخ, وهو التزاوج الذي صنع كل مراحل النهوض الحضاري لأمتنا عبر تسخير معطيات كل عصر من العصور, لخدمة الإنسان التي هي مقصد أساس من مقاصد الشريعة الإسلامية, التي تشكل دائرة قاضي القضاة أحد حراسها الأشداء دون غلظة.
إن مما يزيد من أهمية حوسبة دائرة قاضي القضاة أن وثائق هذه الدائرة تشكل مصدراً مهماً من مصادر التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والإداري والسياسي للدولة والمجتمع في الأردن, بالإضافة إلى حفظها للأنساب ومن ثم الحقوق وكلاهما من أقدس ما يمتلكه الإنسان.
لا تتوقف مظاهر النظافة والمهابة على مباني دائرة قاضي القضاة, بل تمتد إلى مظهر العاملين فيها من جميع الفئات والمستويات, وقيمة هذا أن دائرة قاضي القضاة تقدم نموذجاً حقيقياً لما يجب أن تكون عليه المؤسسات الدينية الرسمية والأهلية منها, ذلك أن صورة هذه المؤسسات ارتبطت بأذهاننا بالكآبة والرثاثة والفوضى وغياب النظام, مما يتنافى مع أبسط قواعد الإسلام وتعاليمه, خاصة لناحية النظافة والنظام وحسن المظهر, وهي صفات كان يجسدها أدق تجسيد رسول الله عليه السلام في مظهره ومخبره في كل مراحل سيرته العطرة, فلم يُر عليه السلام إلا مبتسماً نظيفاً تفوح منه الأطايب, مثلما كان نموذجاً في الانضباط الذي هو روح الإسلام فرص صفوف المصلين, وراء الإمام خمس مرات في اليوم الواحد من أهم تجليات الانضباط في حياة المسلم ومن أهم وسائل بناء روح الانضباط لديه, وهما الروح والسنة التي جاءت دائرة قاضي القضاة لتعيدهما وتعيد معهما لصورة المؤسسة الدينية رونقها ومهابتها, وهذه واحدة تسجل لسماحة الدكتور أحمد هليل وتعكس شخصيته وفهمه الحضاري لديننا الإسلامي, وتحقق دعوة الراحل العظيم الحسين بن طلال بالتقدم نحو إسلامنا, ومن أولى من أمام الحضرة الهاشمية في الإستجابة لهذه الدعوة وهو بالضبط ما فعله في دائرة قاضي القضاة وفي إعادته لبناء مظهرها ومخبرها.
لم يقتصر التطوير الإداري الذي شهدته دائرة قاضى القضاة على حدود المكان, الذي يضفي المهابة والراحة, ويوفر أجواء العمل والإنجاز, الذي يترجم شعار الدائرة «قمة في العطاء وسرعة في الإنجاز وإتقانا في العمل», مما يعطي صورة عصرية نريدها لكافة مؤسسات الدولة الأردنية, وفي طليعتها المؤسسات الدينية التي نحن أشد ما نكون حاجة إليها في هذه المرحلة من تاريخنا, حيث يخُتطف إسلامنا ليقدم بصورة مشوهة على يد الظلاميين والتكفيريين, مما يوجب على مؤسساتنا الدينية أن تقدم صورة الإسلام الحقيقية في مظهرها ومخبرها, وهنا تكمن أهمية ما تشهده دائرة قاضي القضاة من تطوير لم يقتصر على الإدارة وأدواتها, بل سبقها التطويرالذي مارسته الدائرة في مجال إعداد العنصر البشري من حيث رفع السوية العلمية والمهنية والاجتماعية للكادر العامل في الدائرة, خاصة أصحاب الفضيلة قضاة الشرع الحنيف ورجال النيابات الشرعية, عبر البعوث العلمية, وكذلك الدورات التدريبية المتلاحقة, وقبل ذلك حرص سماحة قاضي القضاة على توفير سبل ومقومات الاستقرار الوظيفي والأمن الاجتماعي لهم, من خلال العديد من القنوات مثل صندوق التكافل الاجتماعي, ومن مثل مساعدة شباب القضاء الشرعي على الزواج, وبناء الأسرة المستقرة, من خلال منح كل مقبل على الزواج الأول من قضاة الشرع مبلغ عشرة الآف دينار, هي مكرمة ملكية مستمرة من جلالته لقضاة الشرع, وهذا إنجاز يسجل للدكتور هليل ولكياسته في العرض والطلب, ومثل منحة الزواج كذلك توفير قطع أراض لقضاة الشرع ليقيم عليها القضاة مساكن لهم ولأسرهم, وهذه من أهم عوامل الاستقرار النفسي والذهني التي تعين القضاة على التركيز على أعمالهم تحقيقاً للعدالة مما يساعد الدائرة على أداء رسالتها الهامة في حفظ الأمن المجتمعي وتحقيق السلم الاجتماعي من خلال شعارها المعبر «التراضي قبل التقاضي والوفاق قبل الشقاق».
وبموازاة التطور الإداري سارت عملية تطوير التشريعات الناظمة لعمل دائرة قاضي القضاة, وهو عمل واسع وممتد يشمل الكثير من جوانب حياتنا اليومية خاصة لجهة البناء الاجتماعي واستقراره وقد طال التحديث معظم التشريعات الناظمة لعمل دائرة قاضي القضاة البالغة اثني عشر قانوناً في مقدمتها قانون الأحوال الشخصية الذي أدخلت عليه تعديلات جوهرية بعد مرور ثلاثين عاماً من تطبيقه وقد جاءت هذه التعديلات ليماشي القانون بأحكامه روح العصر ومعطياته, هذا بالإضافة الى ثلاثة عشر نظاما وخمس لوائح تعليمات تشكل بمجموعها منظومة تشريعية متكاملة لتنظيم أدق خصوصات الإنسان وعلاقاته الحميمة مع أسرته ومحيطه.
خلاصة القول في هذه القضية هي أن دائرة قاضي القضاة قدمت وبصمت العاملين المخلصين نموذجا حياً من نماذج التطوير الشامل الذي نسعى إليه إدارياً وتشريعياً, وقبل ذلك اعداداً للعنصر البشري, فبورك الإنجاز والمنجز...
[email protected]