د. صلاح جرّار
ثبت بما لا يدع أيّ مجال للشكّ بأنّ من نظنّ أنهم حلفاؤنا في الغرب أو في الشرق، لا يمكن الاطمئنان إليهم، لأنّ مواقفهم متقلّبة، وأنّ أهدافهم في نهاية المطاف هي السعي إلى تحقيق مصالحهم حتّى لو اقتضى ذلك التنكّر لكلّ المعاهدات والمواثيق وعلاقات التحالف.
لقد أدار كلّ من كنّا نعتقد أنهم أصدقاؤنا ظهورهم لنا وتحالفوا مع أعدائنا ضدّنا بشكل سافر، حتّى أصبحت الأقطار العربيّة ميدان تجارب لمخططاتهم وأسلحتهم وسوقاً استهلاكية لمنتجاتهم. إنّ أيّا من الأقطار العربيّة والإسلاميّة لم تعد في مأمن من هذه المزاجيّة والتقلّب من قبل من نسميهم حلفاءنا الذين أصبحوا يتحكّمون في إراداتنا ويأمروننا بتصفية بعضنا بعضاً، وقسّمونا إلى متشدّد ومعتدل ومتطرّف وإرهابي وحليف، وألّبوا كلّ فريق على سائر الفرقاء، وهددونا إن لم نمتثل لإرادتهم بحرماننا من عيشنا وثرواتنا وأمننا.
إنّ ما يحدث لنا هو أمرٌ بالغ الخطورة، ولا يجوز لنا أن نتأخر أو نتردد في مواجهته ودفع خطره، فأعداؤنا مهووسون بالقتل والوحشية ومصابون بجنون العظمة، ولم يعد أمامنا مفرّ من أحد أمرين: إمّا الاستسلام الكامل لهؤلاء الأعداء، وإمّا العمل الجادّ والصادق على تجنب خطرهم.
فإذا اخترنا العمل الجادّ لتجنب خطرهم، فلا بدّ لنا من السعي العاجل إلى إيجاد صيغة من صيغ التكامل العربي سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وعلميّاً وغير ذلك، ولا بدّ من تناسي كلّ الخلافات بين الأقطار العربيّة فهي خلافات لا تقوم على أي أساس منطقي، بل هي خلافات هامشية وثانوية ومفتعلة من أعداء الأمّة وعملائهم.
ولا بدّ قبل السعي إلى مثل هذا التكامل أن يحقق كلّ قطر عربي التلاحم داخل مجتمعه من خلال إقامة العدل وإطلاق الحريات وتحقيق المساواة، فالتلاحم داخل المجتمع هو أكثر ما يمنح المجتمعات منعة وصلابة وقدرة على مواجهة التحديات الخارجيّة.
وبعد أن يتحقق التلاحم داخل المجتمع الواحد بوصفه شرطاً أساسياً للتكامل العربي، لا بدّ من أن ينهض العرب بإقامة مشاريع علميّة وصناعيّة شاملة تكون قادرة على منافسة الدول المتطورة في صناعاتها واختراعاتها العلميّة ورصد أكبر قدر ممكن من المخصّصات لإنجاح هذه المشاريع.
وإذا ما تحقق ذلك كلّه فلا مناص بعد ذلك للأمّة من التوجه لإقامة تحالفٍ مع الدول الصديقة التي تجمعنا بها مصالح مشتركة وثقافة مشتركة، وأن يكون أهمّ ركيزة في هذا التحالف عدم اللجوء للحلول العسكرية بين الدول المشاركة فيه مهما كان السبب، والوقوف صفّاً واحداً أمام أي اعتداء خارجي على أي دولة من دول التحالف، والاستمرار في التعاون الاقتصادي والصناعي والعلمي.
إنّ علينا أن نلتفت إلى مصالحنا كما يفعل الآخرون، وإلاّ فإننا سوف نظل مطيّةً لكل طامعٍ من الدول الصغيرة أو الكبيرة على السواء.
[email protected]