رأينا
كشف المؤتمر الصحفي الذي عقده وزيرا التربية والتعليم (نائب رئيس الوزراء) والدولة لشؤون الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة يوم امس عن جملة من الحقائق والمعطيات المدعومة بالأرقام والاشارات وتحديد صفات بعض الكتب، يجدر بمن انزلق الى لعبة التضليل والتسييس والحملة الممنهجة المكرسة لغير هدف الاصلاح او النصيحة ان يعيد النظر بمواقفه التي اخذت ابعاداً اكثر خطورة في مسألة حيوية وذات تأثير على مستقبل ابنائنا وبالتالي وطننا، حيث يدور الحديث عن تطوير وعصرنة للمناهج بهدف مواكبة العصر ودفع الطلبة الى استخدام عقولهم وشحذ طاقاتهم وتفجير مواهبهم وابداعاتهم في عصر لم يعد لأساليب التلقين وحشو الأدمغة وتكرار كلام قديم ، قيمة او دور في عصر انفجرت فيه ثورة الاتصالات واقتصادات المعرفة والنانوتكنولوجي وباقي العلوم والاكتشاف التي تكاد تُعلن كل يوم تقريباً، ولم يكن مخترعوها أو من أفنى زهرة شبابه في متابعتها إلا مّن نهلوا من العلوم التطبيقية والابحاث المتراكمة والخبرات ما أهلهم في النهاية كي يكونوا رواداً في تخصصاتهم ومبدعين في ما عهد اليهم.
المسألة لا علاقة لها بالتقاليد والاعراف وليس هدف تطوير المناهج التي لم تمتد يد اليها منذ عشر سنوات بالتعديل او التطوير او الحذف او الاضافة بمعنى مواكبة العصر، ما جعل موضوع تحديثها وتطويرها اولوية في ظل الارقام والمعطيات التي لم تعد سراً من اسرار الدولة، حيث يتخرج طلبة «اميون» بكل ما تنطوي عليه هذه المفردة من معانٍ باعثة على الغضب والاستفزاز والحزن بأن المدرسة الأردنية، في بعض جوانبها لم تعد على ذلك الألق الذي كانت عليه في خمسينات وستينات بل وسبعينات وثمانينات القرن الماضي وأن السبب كما يعلم الجميع في الدرجة الاولى ينبع من عدم حداثة وعصرية المناهج التي اتفق كثيرون بمن فيهم اولئك الذين يتقدمون الصفوف بالاحتجاج والمظاهرات والزعم بأن الكتب جرى تحريفها ونزع «الدسم» منها وغيرها من المفردات والمصطلحات الهادفة الى شحن الغرائز والتحريض دون ان يتبين الذين يقعون في مربع التضليل والاثارة، الحقيقة او يعودوا الى تلك الكتب التي قيل انها محرفة.
ليس ثمة ما يدعو لاستمرار ومواصلة مثل تلك الأساليب التي لا تشكل بديلاً لعملية الحوار والنقاش الهادف والمتزن والمسؤول الذي يسمح بتبادل وجهات النظر والوقوف على أسباب ما قد يراه البعض غامضاً او ملتبساً او مسيئاً، على قاعدة ان من يعمل يخطئ، ما بالك اذا تبين بعد ذلك ان الخطأ لم يقع وان سوء فهم هو الذي أفضى للالتباس..
محظور ان يضع أي انسان نفسه في موقع القاضي والحكم وان يضع غيره في دائرة الاتهام دون سند او سبب معقول، فضلاً عن ادعاء الحكمة واحتكار الحقيقة والذهاب بعيداً في توجيه الاتهامات المرفقة بالشتائم والسباب وتجاوز كل انواع اللياقات والاعراف وسبل الحوار الراقي ، المسؤول الذي يخلق أجواء من الألفة والمحبة ويفتح الطريق على المراجعة العامة إن كانت الحاجة باتت ماسة لاجرائها على النحو الذي لفت اليه نائب رئيس الوزراء وزير التربية والتعليم عندما اعلن عن البريد الالكتروني لاستقبال كل انواع الاسئلة او التصحيحات او الاستفسارات او الاشارات عن اخطاء محتملة او التباسات خصوصاً ان الذين تنافسوا على تأليف المناهج الجديدة، كما الذين اشرفوا ووقتوا ووجهوا ، هم ثقات واصحاب خبرة واختصاص ، دون اهمال حقيقة ان كل انسان يعمل معرض للخطأ وجَلّ من لا يخطئ او يسهو.
اللافت في كل ما جرى ويجري من حملات اعلامية ومحاولات لا تتوقف للاساءة وتشويه الحقائق هو سقوط كثيرين في مربع تسييس المسألة وانزلاق وسائل اعلامية الى هذا البازار التضليلي وركوب الموجة المفتعلة من الحرص على الثوابت والتقاليد والاعراف، في ايحاء بان هناك من يُفرط فيها ويعرضها للخطر والانهيار..
يفترض بهؤلاء ان يعيدوا النظر بمواقفهم وان يوقفوا كل هذه الاساليب وان يقلعوا عن محاولاتهم احتكار الوطنية والحقيقة لأن التحديث والعصرنة هما الوسيلتان الوحيدتان لولوج العصر والأخذ باسباب التقدم وليس سوى المناهج المدرسية والجامعية طريقاً لتقصير هذا المشوار وعلى اسس وطنية عربية واسلامية لا تفرط بالثوابت ولا تتنازل عن الحقوق.