د. صلاح جرّار
يفترض في كلّ كتلة من الكتل التي تشكلت لخوض الانتخابات النيابية أن يشارك أعضاؤها في صياغة بيانها الانتخابي بحيث يخرج متماسكاً ومقنعاً وبريئاً من المآخذ والأخطاء، ويفترض كذلك أنّه متى سَهَتْ عينُ أحد أعضاء الكتلة عن خطأ وقع في البيان أن لا تسهو عيونُ بقية الأعضاء عنه، فلا بدّ أن يتمّ التقاط الخطأ من عضو ما من أعضاء الكتلة، ولا سيّما أنّ أكثرهم ممّن لهم حظٌّ وافرٌ من المعرفة والتحصيل، فمنهم من يحمل درجة الدكتوراه، ومنهم الطبيب، ومنهم المهندس، ومنهم المحامي، ومنهم صاحبُ الخبرة الطويلة في مجالات شتّى.
ولكن ما امتلأت به بيانات الكتل وشعاراتها الرنانة من أخطاء فادحةٍ في اللغة، ينفي تلك الافتراضات كلّها، ويدلُّ على ما يوجع القلب والروح ويزيد من إحباطاتنا المتراكمة.
إنّ سلامة اللغة تدلُّ على سلامة الفكر والرؤية، وسلامة الفكر تنبئ عن سلامة النتائج والأمل بالمستقبل، ومتى كانت اللغة من البداية لا تليق بمكانة من يستخدمونها من الشخصيات التي نسند إليهم أمر تطوير الوطن والمجتمع وبنائه، فإنّه يصبح من حقّنا أن نخشى على مستقبل الوطن وأهله. فهل يعقل أن يكون شعار إحدى الكتل: الحقُّ يُعْله ولا يُعْله عليه؟! وهل يعقل أن يكون شعار كتلةٍ أخرى: نحو غداً أفضل؟! وهل يعقل أن يكون شعار كتلة ثالثة: الناسُ متساوين؟! وهل يعقل أن يكون شعار كتلة رابعة: على جميع الأردنيون؟! إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.
إنّ اقتراف أخطاء لغوية من عامّة الناس أو عند الحديث بالعاميّة ليس مستنكراً، لكنّ المستهجن أن ترتكب هذه الأخطاء في بيانات وشعارات انتخابية، ومن شريحة من الناس يفترض فيها امتلاك قدر من الثقافة والمعرفة، ويؤمل منها أن تحمل رسالة المحافظة على الهويّة الوطنيّة والقوميّة التي تعدّ اللغة من أهمّ مقوّماتها.
وقد وصلتني مؤخراً دعوةٌ من جهةٍ رسميّة رفيعة، وقد ذيّلت الدعوة بملاحظة: يرجى الحضور قبل الموعد بخمسةٍ وأربعون دقيقة؟!
وإذا أصرّ الرسميّون والطامحون إلى مقاعد النيابة على الاستمرار في ارتكاب مثل هذه الأخطاء الصارخة في خطاباتهم ومخاطباتهم، فإنّ علينا أن نقنع الناشئة بأنّ لغة هؤلاء الرسميّين ليست هي المثال اللغوي الذي يمكن محاكاته.
[email protected]