وقد ترى شخصا في كامل أناقته في لباسه ومراعاته للنظافة وحسن الهندام وانسجام الألوان ومناسبة القياسات إلى غير ذلك، ولكن هل تتوقّع منه أن يكون سلوكه بذيئاً، فيقاطع الناس وهم يتحدثّون قبل أن يتموّا كلامهم، ويرفع صوته عالياً وهو يتحدث دون سبب لذلك، أو ينشغل بما لا يليق في أثناء توجيه أحدهم الكلام له، أو أن يحاول أن يكون سيّد الجلسة فلا يسمح لأحد غيره بالكلام، أو إذا رنّ جرس هاتفه المحمول ردّ عليه في الحال وأطال فيه الأخذ والردّ مع المتّصل بما يزعج به جميع الحاضرين؟! أو أنه وهو يقود سيارته لا يعرف الالتزام بأيّ من قوانين السير وأخلاقياته وأصوله ويلقي بالنفايات من شباك سيارته على الطرقات.
وقد تجد شخصاً يلتزم بدقة بأصول الجلوس على المائدة، فلا يبدأ الأكل قبل غيره، ولا يتحدث وهو يأكل حتّى لا يتطاير رذاذ الطعام من فمه، ويظهر أعلى قدْرٍ من النظافة، ولكنْ هل تتوقع منه أن لا يعرف الالتزام بالمواعيد أو أن يزور الناس من غير موعد مسبق أو أن يتّصل مع الناس هاتفياً في وقت متأخر جدّاً أو مبكّر جدّاً في أيّام العطل الرسميّة.
وأهمّ تساؤلاتي في هذا المجال عن الشاعر الذي ينبض شعره عذوبة وأناقة وجمال تصوير وتعبير وقدرةً على التأثير، وتفيضُ عبارته ذوقاً وسلاسة ورقيّاً، بما يدلّ على ذوق متميّز ورفيع، ولكنّه في لباسه ينافي كلّ ذوق وجمال، وفي حديثه مع الناس يجافي كلّ صور الالتزام والاحترام، وهذا يجعلني أتساءل: هل يتجزأ الذوق؟ فيكون الشخص صاحبَ ذوقٍ في أمرٍ ومجافياً للذوق في أمرٍ أو أمور أخرى أم أنّ الذي يتحلّى بالذوق السليم تنسحب سلامة ذوقه على كلّ أموره من لباس وأكل وشرب وحديثٍ ومجالسةٍ والتزام بالمواعيد ومراعاة للأوقات المناسبة وعناية بالمظهر ورقة في الشِعْر وكلّ كلامٍ يصْدُرُ عنه.
إنّ رأيي في هذا التساؤل أنّ الذوق لا يتجزّأ لكنّه قد يكون أكثر تجلّياً في أمرٍ من الأمور الأخرى، لكنّه إذا برز في أمرٍ وغاب عن أمورٍ أخرى فإنّه ربّما دلّ على ذوق مصطنع، ولذلك فإنني أرى أن الشاعر الذي تتسّم أشعاره بالعذوبة والرقّة والسلاسة وجميل الأثر وطيب النكهة لا يمكن أن يكون لباسُه أو سلوكه أو مظهره أو حديثه منافياً للذوق والأصول، لأنّ الشعر الرقيق العذب ينبع من نفسٍ شاعريّة حسّاسة ورقيقة تعرف أكثر من غيرها معنى الإساءة وسوء الأدب وفساد الذوق فتتجنب ذلك في سائر صور التعامل مع الناس.
salahjarrar@hotmail.com
