د. صلاح جرّار
ليس من الصعب علي أيّ متابعٍ لأي نشرة أخبار، سواءً أكانت على القنوات التلفزيونية أو المحطات الإذاعية أو حتّى مواقع التواصل الاجتماعي الإخبارية، أن يدرك الفرق بين الأخبار التي تخصّ الدول العربيّة وتلك التي تخصُّ غيرها. فأخبار العرب مخضبّة بالدم و الدموع، وأخبار غيرهم مزدانة بالإبداع والنجاح والتطوّر. في بلداننا العربيّة أخبار قصف وقتل وجرح وتدمير وحرق وتهجير ولجوء واعتقال وغارات وهدم وتفجير وانسحاب وتراجع وهجمات إلى غير ذلك من المصطلحات التي تتّسع دائرتها يوماً بعد يوم.
وفي دول العالم الأخرى نسمع أخبار اكتشاف علاجٍ لمرض أو تجربة طبيّة ناجحة أو إعادة البصر لمكفوف أو تطوير زراعة نوعٍ من النبات أو الأشجار أو تطوير برنامج حاسوبي أو جهازٍ ما أو إنسانٍ آلي أو غير ذلك. إنّنا لا يأتي من بلداننا إلاّ الأخبار التي تفسد طعم العيش وتعكّر صفو الحياة، ولا يأتي من بلدانهم إلاّ الأخبار التي تسرّهم وتشرح صدورهم وتجعلهم يتعالون علينا. إنّ أخبارنا تدلّ على الفوضى وعدم الاستقرار، أمّا أخبارهم فتدلّ على استقرارهم وأمنهم وتفرّغهم للإبداع والتطوير في مختلف مجالات الحياة من فنّ وموسيقى وأدب وعمران وصناعة وزراعة وطبّ وغذاء ودواء وقوانين وغير ذلك.
إنّ أدنى ما ينبغي لنا أن نتوق إليه هو أن تستقرّ أوضاعنا وننصرف إلى البناء والتطوير والتجديد، فلا نسمع من أخبارنا إلاّ الحديث عن اختراعٍ طبيّ أو زراعي أو صناعي أو فنيّ أو علميّ أو إنجاز عمرانيّ أو سياحيّ أو اجتماعي أو قانونيّ أو اقتصادي أو ثقافيّ.
إنّ ما تشهده الأوطان العربيّة من اقتتال وتناحر وتمزّق يولّد الإحباط لدى المبدعين والعلماء والخبراء والمفكّرين ويعيق جهودهم نحو بناء أوطانهم وتطوير مجتمعاتهم وخدمتها، على الرغم من امتلاكهم قدرات عقليّة وعلميّة وفكريّة لإنجاز الكثير الكثير في ميادين العمران والتطوّر وخدمة الإنسان.
إنّنا نحلم بيومٍ تخلو فيه التلفزيونات العربيّة من أخبار هدم البيوت وتدمير المدن والقتل الجماعي وسفك الدماء وحرق الممتلكات، وتنصرف فيه وسائل إعلامنا إلى إيراد الأخبار التي تشرح الصدور وتحثّ على الإبداع والبناء والعطاء، وتمتلئ نفوس النّاس طمأنينة وسكينة واستقراراً وثقة بالنفس، وينشغل فيه المبدعون بترجمة قدراتهم إلى منجزات حضاريّة يُشار إليها بالبنان.
وفي هذا اليوم الذي أكتب فيه هذه المقالة برز خبران لافتان للأنظار، أوّلهما احتراق طفل عربيٌّ لم يبلغ من العمر ثلاث سنوات بقنابل النابالم وهو يعاني أشدّ الآلام، وثانيهما من أستراليا يتحدث عن تطوير إنسان آليّ يقوم برعي الأبقار في إحدى المزارع! فانظروا حالنا وحالهم!!
[email protected]