محمد خروب
امّا وقد بدأالمحتلّون العثمانيون غزوتهم المسمّاة "درع الفرات" بمجزرة في قرية «جب الكوسا» جنوبي جرابلس المنكوبة,فإن مؤشرات «ميدانية»تتزايد على ان جيش الاحتلال التركي لأراضي الشمال السوري، لم يندفع جنوباً كي يعود لينسحب»سريعاً» إلى داخل حدود بلاده، فما بعد جرابلس ليس ما قبله، ما بالك ان المعطيات المتوفرة تقول إن الوصول الى «منبج» بات مسألة وقت، فيما الهدف التركي التالي سيكون اكثر اهمية وهو احتلال مدينة عين العرب/كوباني، التي تنفي انقرة حالياً استهدافها, فيما تواصل حشد قواتها وتضع في المقدمة عملاءها ممن يُوصَفون في إعلامها بـ»الجيش الحر» كي يكونوا لقمة سائغة لأي محاولة لمنع تقدم قوات الاحتلال التركي، وكان مجرد صدفة سقوط قتيل من الجنود الاتراك واصابة ثلاثة ,عندما اطلق احد مسلحي مجلس جرابلس العسكري المدعوم من قوات الحماية التركية (YPG) صواريخ مضادة بالقرب من قرية العمارنة على دبابتين تركيتين، ليُدشِن الدفعة الأولى من ثمن فاتورة التدخل التركي في سوريا, والمحمول على أهداف استعمارية ورغبة في إبعاد انظار الجمهور التركي (المُتعدِّد الاعراق والإثنيات, والاكثر فسيفسائية من اي بلد عربي آخر, يحلو لاعداء العرب ان يصفوا دوَلَه بانها كيانات مصطنعة وانها نتاج سايكس – بيكو التي يريدون انهاء صلاحيتها بعد قرن من اعتمادها، ولكن على طريقتهم الاستعمارية «البديلة» الهادفة الى طمس الهوية العربية وتحويل المنطقة الى حديقة خلفية للمستعمِرين الجدد، في مقدمتهم تركيا العثمانية ذات العباءة الاسلاموية الانتهازية، والمُكرّسة لخدمة المستعمِر الاميركي, حليف الكيان الصهيوني في اسرائيل).
ما علينا..
لم يعد ثمة شكوك في ان الاستخبارات التركية قد اصابت نجاحا ملموسا عندما تبنت ورعت تنظيم داعش منذ بدايات نشوئه، وفتحت حدودها ومخازن جيشها لتدريبه وتسليحه وتوفير الملاذات الآمنة، وعندما حانت ساعة تسديد الحساب، لم يتردد داعش في «رد الجميل» وكان طوع أسياده, فانكفأ الى الداخل السوري عندما تقدم جيش الاحتلال التركي ولم يطلق طلقة واحدة، وهو الذي يُبدي مقاومة عنيفة ويستخدم كل ما لديه من أسلحة وانغماسيين (وخصوصاً من حلفائه الويغور الصينيين, في الحزب الاسلامي التركستاني) كي يحول دون تطهير اي منطقة يُسيطر عليها، وقد تجلّى ذلك ايضا, في غياب اي رد فعل من داعش على تقدم الجيش التركي في اتجاه قرى يسيطر عليها بعد خروجه المشبوه من جرابلس حتى, ضد «الدمى» والعملاء في الميليشيات صاحبة البنادق للايجار المُسمّاة زوراً «الجيش السوري الحر» وهي «تُحرِّر» ست قرى جنوب جرابلس.
ولان الاجتياح العثماني للشمال السوري، لم يكن ليتم لولا الخطوات المدروسة «بعناية» التي قام بها اردوغان على وجه الخصوص, مصحوبة خطواته تلك نحو موسكو وطهران, بحملة تصريحات ناعمة ودبلوماسية اقرب الى انعطافة غير مسبوقة «بَشّر» بها رئيس وزرائه بن علي يلدرم، الذي «غازل» دمشق وابدى تجاهها نوعا من حسن النية (اقرأ الخبث العثماني المعروف)، فان المرء لا يَسَعه الا طرح جملة من الاسئلة الكبيرة ما تزال لا تجد لها اجوبة حتى اللحظة، رغم كل الالتباسات والغموض الذي يحيط بعملية «درع الفرات» العثمانية, والذي يقوم سلاح الجو التركي بدور ملموس فيها، ما يعني ان القوات الجوية والفضائية الروسية تُشاهِد ما يحدث عن كثب وتتابعه بيقظة، الامر الذي يستدعي في الآن ذاته التساؤل استطراداً، عمّا اذا كان العثمانيون الجدد, قد خدعوا سادة الكرملين وان الاخيرين يمنحون أنقرة «فرصة» الانزلاق اكثر في المستنقع السوري كي يعودوا»الاتراك يرجون مساعدتها؟ ام ان اردوغان وقد اطمأن الى وعود جو بايدن خلال زيارته «الاعتذارية» الى انقرة, قد استبدت به نشوة الاجتياح «السهل حتى الان» فأدار كعادته ظهره لتعهداته, راغباً «الاستثمار» في الازمة السورية، ليس فقط في «دفن» مشروع «فيدرالية روّج آفا» التي ارادها بغباء واندفاع وقراءة متهورة للحقائق التاريخية والجيوسياسية في المنطقة, صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري؟
من السابق لأوانه التكهن بالمدى الذي يستطيع اردوغان ومؤسسته العسكرية «الجريحة والمُهانة وفاقدة الثقة بنفسها بعد كل ما الحقه بها السلطان العثماني الجديد»... الذهاب اليه، وما هو مدى و»مدة» هامش المناورة التي سُمِحَ له التحرك به وفيه، ولن يطول الوقت لمعرفة ملابسات كل ما جرى، فالعواصم المؤثِرة في المشهد السوري، الاقليمية والدولية وخصوصا تلك التي «فوجئت» بالاجتياح العثماني، ما تزال تدرس الموقف وتراقب بحذر كل ما يجري, ولم تكن التصريحات غير الموفقة بل الدالة على العجز وسقوط الدبلوماسية الفرنسية المدوّي، التي ادلى بها جان مارك ايرلو، وزير الخارجية سوى اشارة (ولو ضعيفة) على ان «خطوات ما» في طريقها الى الحدوث والترجمة سياسيا ودبلوماسيا وربما ابعد من ذلك بكثير اذا ما اخذنا الصمت الايراني «المُبرّمَج» الذي تلوذ به طهران.
يقول رئيس الدبلوماسية الفرنسية: امر «شرعي» لتركيا، ان تضمن امن حدودها، لكن «يجب» الحذر من الإفراط في العنف, ونزوع محتمل للرغبة في التعرض لجزء من «القضية» الكردية في سوريا.. ختم ايرلو.
رطانة استعمارية خبيثة يتمسك بها حفيد المسيو بيكو, وتُواصلها بلا ادنى حِسٍ اخلاقي أو قانوني,نخبة المُستعمِرين الجدد في عواصم الغرب المُتَلَوِّن.
[email protected]