محمد خروب
و»الثورة» التي هدّد بإعلانها جبران باسيل، ليس بصفته وزيراً للخارجية في حكومة تمام سلاّم، الذي وصفها رئيسها بأنها أسوأ حكومة في لبنان، بل كونه (باسيل) رئيساً للتيار الوطني الحر الذي أسّسه الجنرال ميشال عون, وما يزال يُمَثَّل بالنسبة إليه مكانة المرشد الروحي، المرشح لرئاسة الجمهورية، هذا المنصب الذي ما يزال شاغراً منذ عامين وثلاثة أشهر، دون أن يلوح في الأفق موعد لملء هذا الفراغ, الذي بسط «ظلّه» على المشهد اللبناني, على نحو لا يملّ ساسة لبنان وقادة أحزابه,أُمراء حروبه وملوك طوائفه وزواريبه والطبقة ِّ به، من اعتباره (الفراغ في الرئاسي) سبباً لكل الأزمات والمشكلات البنوية العميقة التي تعصف بلبنان، بدءاً من ملف النفايات التي يُتوقع أن يعود إلى واجهة الأحداث، إذا ما نشبت «الثورة» ضد النظام, الذي هدّد بها رئيس التيار الوطني , بعد ان لوّح «الأرمن»، بامكانية ايقاف استقبال ناقلات القمامة التي تلقي بحمولتها في مطمر برج حمود,وليس انتهاءً بملف التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط الذي اتخذ هو الآخر بُعْداً طائفياً.. كالعادة !!
و»الثورة» التي يستعد الوزير اللبناني لاشعالها, لا تتكئ على الحراك الشعبي والمدني السلمي, الذي بدأه نشطاء سياسيون وحزبيون وهيئات بيئية وأخرى حقوقية وثالثة شبابية وغيرها اعلامية ونسوية وجماهيرية منذ فترة ,ضد الفساد ورموزه وسيطرة نخبة سياسية وحزبية واقطاعية وامراء حروب أهلية سابقة وملوك طوائف ومذاهب وحارات ومحاوِرَ وزواريب, يرونهم فاسدين يقتسمون كعكة الحكم وينهبون اموال الدولة، ولا يقدمون بالمقابل ادنى الخدمات تواضعاً, بماهي حق اساس من حقوق المواطن اللبناني, كالماء والكهرباء وجمع النفايات وتكافؤ الفرص, بل هم مستفيدون على الدوام من فترات الحرب كما فترات السلم ودائماً في اقتسام مغانم السلطة والتراضي عند نهب اموال الدولة, يحكمهم في ذلك نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية والارتهان الدائم للخارج، الاقليمي والدولي، على حد سواء, وبدرجات مختلفة التأثير بالطبع.
ما علينا..
«الثورة» على النظام التي هدّد بإشعالها اعتباراً من «اليوم» الخميس، رئيس التيار الوطني الحر، الذي هو في قراءة دقيقة لموازين القوى الحزبية وبخاصة في «التمثيل المسيحي» حيث يصعب الحديث عن لبنان – في اي قضية او ملف – دون الاتكاء على هذا البُعد الرديء، ولكن الموجود دائماً وبقوة في المشهد اللبناني... قديمه والحديث، ما دامت المحاصصة الطائفية، تُنْظّم علاقات مكوناته، نقول: (التيار الوطني الحر) أحد أبرز المكونات السياسية والحزبية المسيحية جماهيرية وتمثيلاً (أقلّه برلمانِياً) في لبنان، ما يعني ايضاً انعدام إمكانية تجاهله أو القفز على مواقفه واعتبارها مجرد صراخ، او ضجيج او تهديد فارغ، لا يلبث ان يتبخر ويختفي مع مرور الوقت.
فــ «الثورة» التي لوّح بها باسيل، تستند في الأساس إلى رغبة تيار الجنرال عون (كما يُسمّى ويُوصف ويشار إليه دائماً) بعدم انعقاد جلسة مجلس الوزراء اللبناني اليوم الخميس, كون هذه الجلسة في نظر التيار خطيرة ومُخالِفة للقانون، بقولِه (باسيل): كل ما نطالب به هو وقف مخالفة القانون.. أما لماذا هي مخالفة للقانون، فإن المسألة أكثر من واضحة لدى اللبنانيين وقواهم السياسية والحزبية، حيث يُتوقع ان تشهد الجلسة العتيدة (إذا ما، وعندما إنعقدت) تعيينات وقرارات عسكرية, أبرزها التمديد للجنرال/العماد جان قهوجي قائد الجيش، وهذا التمديد بالنسبة للتيار ممنوع ومحظور ودونه «الثورة» على النظام, كما بدا واضحاً من تهديد جبران باسيل.
أين من هنا؟
وكالعادة في لبنان، ينخرط الكل عند كل أزمة أو «أُزَيّمة» إن جاز التعبير، في صراع محموم، وتجاذب واتهامات بتجاوز الميثاق وتوصيف جلسة مجلس الوزراء (كتلك التي ربما تنعقد اليوم)، أو التعيينات المدنية والعسكرية.. بعدم «الميثاقية», ما يرفع من وتيرة الجدل ويأخذ المناكفات الى مربعات التوتير واحتمالات الانفجار، رغم ما يحفل به المشهد اللبناني من تناقضات وتكاذب, على النحو الذي تجري فيه حوارات ثنائية أوجلسات أوسع للحوار الوطني بين مكوناته المختلفة , وخصوصاً الحوار المستمر والذي لم يُثمر حتى الآن عن أي نتيجة تذكر، بين حزب الله وتيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، رغم «الهوّات» الواسعة التي تفصل بين موقفيهما في كل المجالات وعلى كل الأصعدة.
.. من أطرف ردود الفعل على امكانية انعقاد جلسة حكومة سلاّم اليوم, رغم محاولات تُبذل لتأجيلها كي لا تصل الامور الى نقطة اللاعودة ودخولها مرحلة أسوأ، هو ما جاء على لسان وزير التربية إلياس أبو صعب، عندما قال: إذ انعقد مجلس الوزراء «اليوم» فهذا يعني ان «المُسلمين» اجتمعوا وقرروا أن «يَحكُموا» في غياب رئيس الجمهورية. الماروني والقوى المسيحية الأساسية، وكأنهم (والقول ما يزال لأبي صعب)يقولون لنا» معكم ومن دونكم... سنحكم»، وهذا سيكون بمثابة تطور شديد الخطورة, وستُصبح المسألة أبعد من حدود التعيينات العسكرية لتُهدِّد (جوهر النظام).. ورد الفعل سيأتي من «مكان آخر». خَتَمَ الوزير عن التيار الوطني الحر.
.. هيدا لبنان... فلا داعي للاستغراب أو إبداء الدهشة.
[email protected]