د. صلاح جرّار
لكلّ كاتب وهو يكتب شركاء في الكتابة، قد يعرف بعضهم وجهاً لوجه، وقد يجعل أكثرهم، لكنهم جميعهم تمتدّ أيديهم إلى قلم الكاتب وهو يكتب ويحاولون جاهدين تحديد مساره كلٌّ حسب رغبته واتجاهه وفلسفته. وهؤلاء الشركاء هم القرّاء والنقّاد، فعندما يأخذ الكاتب في كتابة نصّه سواءً أكان قصّة أم قصيدة أم مسرحية أم مقالة، فإنه في أغلب الأحيان يتخيّل ردّة فعل قارئه وناقده، ويحسب لهما حساباً يجعله يغيّر في هذه الجملة ويبدّل في هذه العبارة، ولا يكون ذلك من باب التخلّي عن الرأي والمبدأ لصالح رأي القارئ ومبادئه، بل من باب عدم إساءة الفهم في سياقٍ من السياقات، فليس كلّ القرّاء على مستوى واحدٍ رفيع من الثقافة والقدرة على فهم النصّ كما يريده كاتبه، ومن هنا يأتي حذر الكاتب وتأنّيه في صياغة جمله وعباراته بل واختيار مفرداته وتراكيبه. وقد يحدث كثيراً أن يقصد الكاتب معنى ما لكنّ بعض القرّاء قد يفهم نقيضه أو يفهم منه غير ما أراد الكاتب ويجادله فيه ويحاسبه عليه ويبني أحكاماً وفقاً لما فهمه من النصّ.
وقد يعمد الكاتب إلى تجنّب الاصطدام ببعض الآراء والمواقف المخالفة لأنّه لا يرغب في الدخول في جدل عقيم لا يؤدي إلى أيّ نتيجة، وفي هذه الحالة يكتفي بكتابة آرائه الخاصّة به التي قد تساعد في بناء فكرة جديدة أو رؤية جديدة إزاء قضية خلافية أو غير خلافية، وهو في هذه الحالة أيضاً يعمل تحت تأثير المتلقّي وردّة فعله.
ويذهب بعض الكتّاب إلى الدخول المباشر في قضيّة خلافيّة دون تردد، ويكون لديه من الوقت ما يكفي لمناكفة من يعارضون رأيه، لكنّه وهو يفعل ذلك يكون قد خاض الموضوع مسلّحاً بأفكارٍ يراها هو نفسه مقنعة وجديدة.
إنّ أشدّ ما يحذره الكاتب وهو يكتب في موضوعات خلافيّة هو أن تصبّ مقالته الزيت على النّار فيؤجج من الخلاف الذي يسعى الكاتب الملتزم عادة إلى توجيهه نحو المصلحة العامّة لا نحو شقّ الصفّ.
وفي الأحوال كلّها فإن شركاء الكاتب لا يغيبون عنه لحظة واحدة وهو يكتب نصّه، ولا يستطيع كاتب أن يتحرّر من شركائه أو يهمل آراء قرّائه وناقديه وردّات فعلهم، ولا يعني ذلك أن يتنازل لهم عن كلّ شيء ممّا يراه ويعتقده، بل أن يحسن إيصال فكرته لهم ويعزّزها بوسائل الإقناع والتأثير، ويظهر ما استطاع من الموضوعية والإنصاف، ويبتعد عن المماحكة والتصلّب في الرأي، ويتحرّز من الإساءة لأيّ عرقٍ أو عقيدةٍ أو مذهب أو جماعة أو فكر من غير وجه حقّ، وهذه مسؤولية صعبة تتطلب من الكاتب الكثير من الصبر والتأني والنظر في موضوعه من الجوانب كافة.
[email protected]