أبواب - محمد رفيع
دانية..
حكايةٌ إسبانيّة عربيّة، نأَت بِبرِّها إلى المتوسّط. فاحتضنت؛ العرب والصقالبة والبربر، ومسلمين ومسيحيّين ويهود. فنامت بهدوء حيناً من الدهر. إلى أن وصلتها لَعنة الطوائف السياسيّة، فاشتعلت فيها نيران حقد بشريّ لم تُطفئها مياه البحر..!؟
دانية..
هي أوّل البرِّ الإسبانيّ في المتوسطّ حين تُشرق الشمس، وهي آخر الجنوب الأندلسيّ، حيث يوجّه المسلمون وجوهَهم عند الصلاة. وفيها من الجَمال ما يكفي ليؤنس وحدة البَشر. غير أن اختلاف السياسة والمصالح، المؤدية إلى اختلافهم حول الله تؤرّق العيش المشترك فيها، إلى درجة يضطرب فيها البحر على نحو لا يُهدّئه تكسّر أمواجه على صخور يابسة الأندلس العتيد..!؟
وفيها قال ابنها؛ الوزير ابو بكر عيسي الداني:
يا مَن حَوى ورد الرياض بخدّه # وحاكى قضيب الخيزران بقدّه
دَعْ عنك ذا السيف الذي جرّدته # عيناك أمضى من مضارب حدّه
كُلّ السيوف قواطعٌ إنْ جُرّدتْ # وحسامُ لحظك قاطع في غمده
إنْ شئت تقتلني فأنت محكّم # مَن ذا يُطالب سيّداً في عبده
حقائق
_ دانية؛ هي مدينة كبيرة تقع في مقاطعة لقنت، في جنوب شرق إسبانيا، وتطل على البحر قبالة جزيرة يابسة، وتقع في منتصف المسافة بين بلنسية ولقنت، عادت إلى الحكم الإسباني سنة641هــ.
_ ذكرها التلمساني أحمد بن محمد المقري في كتابه نفح الطيب. وقد حكمها المسلمون قرون عديدة قبل أن تسقط في أيدي ملوك إسبانيا فيما يعرف في التاريخ الأسباني بالريكونكيستا، أو فترة الاسترداد وفيها طرد المسلمون من كل الجزيرة الأندلسية.
في عام 400هـ/1010م، أعلن مجاهد الأمري انفصاله عن أسرة الحاجب المنصور وتفرده بمدينة دانية والجزر الشرقية في الأندلس «جزر البليار». وفي العام 468هـ -1076م اتحدت مع مملكة سرقسطة ومملكة بلنسية.
قلعة دانية من القلاع التي بناها المسلمون خلال العصر الأندلسي، كما ساهم في بنائها بعد ذلك الفرنسيون بعد احتلالهم للمدينة بعد حرب الخلافة الإسبانية عام 1701م.
ودانية في المصادر العربية؛ هي مدينة بالأندلس، من أعمال بلنسية، في غربيّ بلنسية، على البحر، وهي مدينة عظيمة القدر، كثيرة الخيرات، ومن أعمالها: يُكَتْران، وحصن بَيْران، ولها رساتيق واسعة، كثيرة التين والّلوز والعنب.
ومدينة «دانية»، وهي واحدة من المدن الكبيرة بشرق الأندلس المطلة على المتوسط. فنجد بمتحفها الإقليمي بعضا من التحف الإسلامية، وهو أمر طبيعي في ظلّ أنها كانت مركزا لدولة بحرية إسلامية أسسها الصقلبي مجاهد الداني عقب سقوط دولة الخلافة، وبقيت صامدة أمام هجمات المسيحيّين الإسبان حتى سقطت بأيديهم في عام 641 هـ.
من القطع الفنية المميزة بهذا المتحف دورق صغير من الخزف يتميز ببدنه الذي يتخذ هيئة كيزان الصنوبر، محاكيا إلى حد بعيد كؤوس الزجاج، التي كانت تستخدم في شرب النبيذ. ولهذا الدورق قاعدة متسعة نسبيا تعكس رغبة الخزاف في الإبقاء عليه متّزناً حال استخدامه، بينما تبرهن رشاقة المقبض على تمتع صانعه بذائقة فنية مميزة.
قرب دانية، نجد مدينة ميورقة عاصمة إحدى أشهر جزر البليار، والتي كانت هي الأخرى من مراكز دولة مجاهد الداني، فضلا عن مرسية وتعد ميورقة أكبر جزر إسبانيا، ومركزا سياحيا بارزا للسياحة الجماعية ولاسيما لمواطني كل من ألمانيا وبريطانيا.
ويقول التلمساني أحمد بن محمد المقري في كتابه نفح الطيب:
(وتقع دانية على ساحل البحر المتوسط وتعد قاعدة من قواعد شرق الاندلس وتبعد عن بلنسية 16 فرسخا، وتعتبر ميناء رئيسيا من موانئ شرق الاندلس وتكثر حركة السفن فيها. كما تصنع فيها الأساطيل وتخرج منها أساطيل الغزو. وكانت السفن تبحر إلى اقصى المشرق، فُتحت دانية على يد المسلمين 94هجري/712م على يد عبد العزيز بن موسى بن نصير فى عهد أبيه. واحتلت دانية مكانة مهمة فى زمن ملوك الطوائف، فقد انتزى فيها مجاهد العامري (ابو الجيش) وجعلها قاعدة لمملكته التي ضمت جزر البليار سنة 1022م، وحكمها مدة 30 عاما .وخلفه ابنه على (اقبال الدولة)، الذي تزوج من ابنة المقتدر ابو جعفر أحمد بن سليمان بن هود صاحب سرقسطة. فما لبثت أن ساءت العلاقات بينهما. فما كان من المقتدر إلا أن سار بقواته وحاصرها واستسلمت له سنة 1076م، وظلت تابعة لبني هود إلى أن سيطر عليها المرابطون 1091م/482ه. ثم آلت إلى الموحدين.
وسقطت فى يد الإسبان، حيث استولى عليها ملك أرغون خايمي الأول سنة 1244م-642هجري).
بعد فتح الأندلس حدثت عدة تغيرات سكانية، فقد أصبح العنصر العربي هو السائد، إضافة إلى العناصر الأخرى من غير المسلمين، التي تنحصر بالمستعربين والمسيحيين واليهود، فأصبح في مملكة دانية يعيش خليط من الناس على الرغم من اختلاف معتقداتهم الدينية حيث كانوا ينعمون بالحرية والأمان، ويعيشون بسلام دون المساس بحقوقهم وطقوسهم وشعائرهم ومعتقداتهم الدينية.
شكل الصقالبة طبقة مميزة مهمة في المجتمع الأندلسي وارتقوا الى مناصب مهمة وامتلكوا ثروات طائلة واراضي واسعة، فقد بدأ الأندلسيون يستخدمونهم منذ عبد الأمير عبد الرحمن الداخل 791-757م.
شارك الصقالبة في أحداث قرطبة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية خصوصا بعد انهيار الخلافة الأموية في الأندلس على إثر الفتنة التي عصفت بها، ولعل سبب ذلك تمتعهم بمركز قوي أثناء الخلافة الأموية، وقد سيطروا على مدن شرق الأندلس كليا تقريبا ومنهم لبيب الصقلبي ومقاتل في طرطوشة، وخيران ومبارك في بلنسية والمرية وزير في مرسية. اما دانية والجزائر الشرقية، فكانت من نصيب مجاهد العامري، الذي استقل بهما وكان له دور كبير في الحياة السياسية.
أما المستعرَبون، فهم من المسيحيين المعاهدين، الذين عاشوا بين عرب دانية، وكان العرب اطلقوا عليهم في بادئ الأمر اسم عجم الأندلس. وقد سموا بالمستعربين بفتح الراء، لأنهم تعلموا العربية ولبسوا بارادتهم الزي العربي وعاشروا العرب وتأثروا بهم في ثقافتهم ولغتهم وسلوكهم وعاداتهم وملابسهم بل إنهم اتخذوا أسماء عربية الى جانب أسمائهم المسيحية.
[email protected]
*يمنع الاقتباس او اعادة النشر الا بأذن خطي مسبق من المؤسسة الصحفية الاردنية - الرأي.