الاعلام بوسائله المتنوعة والفضاء الالكتروني الواسع الذي اوصل الناس بعضهم ببعض وبسرعة تفوق سرعة الصوت ابرزا كثيرا من الاختلافات السياسية والفكرية بين الناس ونحن نؤمن بان الاختلاف الفكري والسياسي هو من طبائع البشر، لكن مالا نؤمن به وليس من طبائعنا هو الكلام الذي لا لزوم له والذي يوسع الهوة بين المختلفين في هذا الرأي او ذآك، خاصة ونحن نعيش ظروفا استثنائية صعبة تحتاج منا كلاما يجمع ولا يفرق يحث على التآخي والوحدة والعمل المشترك الذي يحفظ امن بلدنا واستقراره ويجعله قادرا على مواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة كلها وابلغها اعادة تقسيمها ورسم خرائطها من جديد، ولكن هذه المرة ليس بريشة «سايكس وبيكو» سيئا الذكر اصحاب الاتفاقية السرية التي قسمت البلاد العربية في العراق وبلاد الشام الى مناطق نفوذ واحتلال للاستعمار البريطاني والفرنسي وانما اليوم يعاد رسمها وتقسيمها بدم ابنائها الخلص.
الكثير منا يتكلم احيانا فيما لا ضرورة له، ويتحدث في امور لا لزوم لها ويكتب بمناسبة وغير مناسبة لغاية في نفس يعقوب لاعلاقة لها بالاهداف والغايات المشتركة ويتطرق الى مواضيع ليست على بال احد، وليست من اهتمامات الناس، وكأنهم لم يقرأوا ان حفظ اللسان من اهم مفاتيح النجاة ليس فقط في الدنيا بل وفي الاخرة بدليل قول الخليفة ابو بكر رضي الله عنه «لساني هذا اوردني الموارد».
لقد تحدث أناس من قبل عبر الفضائيات عن الرحمة وقلوبهم مليئة بالكراهية فصورا لنا الاحتلال بالقوة العسكرية تحريرا، وقتلهم للناس بالحفاظ على حقوقهم الانسانية، وتدميرهم للمدن على رؤوس ساكنيها اعمارا على طراز افضل، تماما مثلما يفعل البعض اليوم ممن يتحدثون او يكتبون كلاما تشمئز منه النفوس لانه مدعاة للعداوة والكره والحقد، فيصورون لنا اختلاف الراي جريمة لاتغتفر، والنهج السياسي الذي لا يروق لهم اجتهادا مفضوحا، مخالفين كل قواعد الضميرالمهني قبل الانساني لينقلوا صورة غير الصورة الحقيقية لهذا الاختلاف الذي لو عرفوه بحق لفهموا انه لا يفسد للود قضية.
ان الذين يضعون بكتاباتهم سورا كسور الصين العظيم ان لم يكن اعلى بين من يختلفون بالرأي والفكر والمنهج والاسلوب في معالجتهم لقضايا الوطن والامة ان يدركوا ان اهم خنادق دفاعنا في مثل هذا الظرف التاريخي الصعب الذي نمر به هو الكلام الطيب الذي يحث على الوطنية والتمسك بها مهما اختلفت الاراء وتباينت المعتقدات لان عنوان وطنيتنا الصادقة هي الخيمة التي تحمي الجميع، ولتكن دعواتهم لكل الذين يختلفون بالرأي والفكر: ان اجتمعوا فيما تتفقون عليه وليعذر بعضكم بعضا فيما تختلفون فيه.
[email protected]
* يمنع الاقتباس او اعادة النشر الا بأذن خطي مسبق من المؤسسة الصحفية الاردنية - الرأي .