رغم القيود والحصار المشدد الذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدينة القدس والبلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك والذي حول القدس الى ثكنة عسكرية، شهد المسجد توافد عشرات آلاف المصلين لأداء صلاة الجمعة، متحدين التضييقات والإجراءات الأمنية التي استهدفت منعهم من الوصول إلى المسجد.
شرطة الاحتلال التي انتشرت على أبواب المسجد الأقصى وفي كافة الطرق المؤدية اليه في البلدة القديمة نصبت الحواجز الحديدية ودققت في هويات المصلين وإعادة العشرات قالت أنها اعتقلت ٢٦ مصل من سكان الضفة الغربية وصلوا أبواب المسجد بالقدس العتيقة دون الحصول على التصاريح اللازمة من الحكم العسكري في مستعمرة بيت ايل شمال رام الله. وأشارت شرطة الاحتلال في بيان مقتضب الى انها أفرجت عن معظمهم ونقلتهم الى الحواجز جنوب وشمال القدس المحتلة باستثناء ثمانية منهم تم توقيفهم حتى صباح الاحد.
وقالت انه تم نقل احد المعتقلين الى عيادة قريبة من معتقل المسكوبية بعد تعرضه للسقوط فيما قال شهود عيان تم الاعتداء على شاب من المعتقلين بصورة وحشية وانه سقط خلال الاعتداء عليه بين درجات سيارة الشرطة وعبارة في الطريق ما تسبب له بكسور في قدمة اليمنى.
منذ ساعات الصباح الباكر، فرضت قوات الاحتلال حصارًا على مداخل البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وأقامت حواجز حديدية عند بوابات البلدة ومداخل المسجد. انتشرت القوات بكثافة في شوارع القدس، وأوقفت الشبان على الحواجز لفحص هوياتهم، مما حال دون وصول عدد كبير منهم إلى المسجد. كما أجبرت المبعدين عن المسجد على مغادرة منطقة باب الأسباط، ومنعتهم من أداء الصلاة قرب الباب وفي ساحة الغزالي.
لم تقتصر الاعتداءات على المنع فقط، بل شهد مدخل باب الأسباط اعتداءً على أحد كبار السن من قبل شرطة الاحتلال، في مشهد استفزازي للمصلين.
وأعلنت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس أن عشرات الآلاف أدوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، بالإضافة إلى صلاة الغائب على أرواح شهداء قطاع غزة والضفة الغربية، في تعبير صادق عن التضامن مع الشهداء.
في خطبة الجمعة، أكد الشيخ القاضي محمد سرندح أن المسجد الأقصى المبارك وأهله لن يُضاموا، فهم في كنف الله ورعايته. وأشار إلى أن «الظلم لن يدوم في بيت المقدس، ولن يهان المرابطون الذين يحملون ولاءهم لله وللمقدسات».
انتقد الشيخ سرندح الأصوات الهدامة التي تقدم الولاء للقومية على الولاء لله ورسوله، مشيرًا إلى أن التحديات التي تواجه الأمة تهدف إلى تفتيت وحدتها. وقال: «قضية المسلمين واحدة، وعند وجود الفتن يزداد الصراع بين الحق والباطل».
وأشاد الشيخ بصمود المصلين والمرابطين، قائلاً: «طوبى لكم أيها المرابطون، فإن ولاءكم للأقصى ومقدساتكم يُسطِّر أعظم مراتب الولاء لله».
نداء للوحدة والتآلف ودعا الشيخ سرندح إلى الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية، مؤكدًا أن التناحر يخدم أعداء الأقصى والقضية الفلسطينية. وأوضح أن الأقصى يشكل رمزًا للوحدة بين المؤمنين، داعيًا إلى التكاتف لمواجهة التحديات التي تهدد القضية الفلسطينية ومقدساتها.
وسط استمرار الاعتداءات على المسجد الأقصى والمقدسيين، تساءل الشيخ عن دور المجتمع الدولي في مواجهة هذه التجاوزات. وقال: «ما يجري تحت أنظار العالم الصامت هو مسؤولية كل من يدّعي حماية حقوق الإنسان، وهم شركاء في هذا العدوان عبر صمتهم».
وقال سرندح يظل المسجد الأقصى رمزًا للصمود والوحدة، حيث يثبت الفلسطينيون في كل صلاة جمعة أن الحصار والتضييقات لن تقف عائقًا أمام ارتباطهم بمقدساتهم ودينهم.
وأضاف سرندح حول التحديات التي تواجه المسجد الأقصى وأهله، يتجلّى مفهومُ الولاء والبراء في الإسلام كركيزتين أساسيتين لتعزيز تماسك الأمة وحفظ هويتها. الولاء (المنسوب شرعًا إلى «التحاب للمؤمنين والتمسك بهم”) يعبّر عن الانتماء لدين الله ورسوله، والاتحاد في السراء والضراء بين المؤمنين، بحيث يقدم كلّ فرد مصلحة جماعته الدينية فوق المصالح الشخصية أو القومية الضيقة. أما البراء فيعني البراءة من كل تأييد أو موالاة للباطل، والسعي إلى الابتعاد عمّا ينافي تعاليم الإسلام من ظلم وعدوان.
وأوضح خطيب المسجد الأقصى الولاء والبراء ينطلق من قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»، ومن توجيه رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أحبَّ لأخيه ما أحبَّ لنفسه». فالولاء هنا ليس مجرد تعاطف عابر، بل ميثاق أخوةٍ مكتوب على ضمائر المؤمنين، يفرض التعاون على البر والتقوى، ومنع الظلم وردّه عن المستضعفين في كل مكان. والبراء يكمّل هذا الميثاق، إذ يقتضي البراءةَ من كل ظلمٍ ومحاولةٍ للهيمنة على أرض المسلمين، حتى لا يتحوّل الولاء إلى تأييد للظالمين.
وقال سرندح :"في واقع الأمة اليوم، تبدو هذه القيم أكثر إلحاحًا من أيّ وقت مضى. فكثرةُ الانقسامات الطائفية والقومية شرّذت الصفوف، وأضعفت القدرة على التصدّي للعدوان على مقدسات المسلمين وحقوقهم. إنَّ الولاء الصادق يفرض علينا تقدير الوحدة الإسلامية الجامعة، بعيدًا عن الخلافات الثانوية التي يصنعها أعداؤنا لتفتيت الصف. كما يستدعي البراء مقاطعة كلّ من ينتهك حرمة المسجد الأقصى أو يسلّم ويفرط بمقدسات المسلمين، سواءٌ كان قوات احتلال أو قادة استسلام يراهنون على التطبيع على حساب القدس.