خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

بوح القرى.. قرية البلاونة.. تجليات «عمتا» 2

بوح القرى.. قرية البلاونة.. تجليات «عمتا» 2

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

أبواب - مفلح العدوان - لنا ذاكرة هناك.. أتلمسها عند كل شجرة وكل حجر، تطل عليّ من ماء النهر ومن وجوه الأهل في عمتا، فتنبعث الحكايات كأنها تريد أن تعلن عن حقها في أن تهمس بأذني بعض تفاصيلها المحتجبة عنا، والأغنيات تسكب ألحانها، نبيذا تعتق منذ مئات السنين في الأعراس، وعلى ألسنة الرجال والنساء في قرية البلاونة.
لنا ذاكرة في تلك البقعة الطيبة، ظاهرها حدود قرية البلاونة، غير أن ما خفي منها يسحبنا نحو تاريخ موغل في القدم، وجغرافية ممتدة على ظهور الخيل، وفي صدور الرجال، وعلى صفحات الكتب القديمة، حيث قبر أحمد الشقيري يجاور مقام عامر بن الجراح، وقداسة نهر الأردن التي لا تغيب، داخل حدود هذه القرية، التي تنتشي بفضاءاتها التي تجاوزت جغرافيتها ليكون الحديث مختلف عنها.
الآن.. ها أنا أعيد ترتيب سرد حكاية المكان، بعد أن قرأت، ما تيسر من المراجع، وشاهدت ما أتيح اليّ من فسيفساء تنوع التفاصيل، واستمعت كثيرا الى حديث أهل قرية البلاونة، حين اجتمعنا في الحديقة، فأزهرت كلماتهم عناوين أخرى أضيفها على شجرة هذا البوح.

العتبة الأولى
سأعود الى حيث العتبة الأولى التي ابتدأت منها زيارة قرية البلاونة؛ هناك قرأت الفاتحة على روح القائد الصحابي عامر بن الجراح، وبعد الفاتحة، تصفحت مخطوط تاريخه الذي كانت آخر صفحة له في الحياة الأولى على أرض قرية البلاونة الطيبة الثرى.
تبوح الذاكرة الشفوية بأن مقام أبو عبيدة كان نقطة رئيسية في تاريخ القرية، وكان يطلق عليه قديما مزار أبو عبيدة، وله أثر في نواحي كثيرة في حياة الناس وتعليمهم واستقرارهم حوله، وكذلك في وعي أهل المنطقة، حيث كان هناك احتكاك بالقادمين من أماكن بعيدة لزيارة هذا المقام، حيث يتركون تأثيرا ايجابيا في الناس حوله، وكانت يحضر اليهدراويش الطرق صوفية، وتقام عند الحظرات النقية، كما أنه في عام 1949م تم بناء مئذنة المقام القديمة، حيث كان بناء المسجد قبل ذلك بثلاث سنوات (1946م).

الإعمار الهاشمي
الآن اختلف الحال.. كبرت القرية، وتم اعادة اعمار مقام أبي عبيدة عامر بن الجراح، ضمن مشروع الإعمار الهاشمي، ليكون معماره ضخم يضم مسجدا جامعا، ومركزا ثقافيا اسلاميا، والمقام، ومكتبة إسلامية، ومتحفا اسلاميا، وصالة متعددة الأغراض، ومباني ادارية، ومواقف سيارات، ومرافق أخرى كثيرة.
أقف أمام لوحة رخامية مثبتة على أحد جدران المقام، مكتوب عليها: «أقيم هذا الجدار في الإعمار الهاشمي من حجر الواجهة الجنوبية للمسجد القديم الذي كان قد أقيم عام 1366هـ الموافق 1946م، وهدم لإنجاز هذا الإعمار الكبير، واستخدمت هذه الحجارة مراعاة لذاكرة المكان».
وأقرأ عن تاريخ افتتاح هذا الإعمار للمقام، ما كتب على لوحة رخامية أخرى: «بسم الله الرحمن الرحيم/ بتوفيق الله سبحانه وبحمده تم الإعمار الهاشمي لمسجد الصحابي الجليل، أمين هذه الأمة، أبي عبيدة عامر بن الجراح، رضي الله عنه، ومقامه ومجمعه الثقافي الاسلامي، بأمر المغفور له بإذن الله تعالى وفضله، الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، وفي عهده. وتشرف الراجي منه سبحانه العون والرشاد، الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، حفظه الله ورعاه، بافتتاحه يوم الثلاثاء، الثالث عشر من جمادي الاولى عام1420هـ الموافق الرابع والعشرين من آب عام 1999م».

أمين الأمة
حين وقفت أمام مهابة ضريح الصحابي أبي عبيدة عامر بن الجراح، شعرت كأنني أقف أمام منارة من المواقف والمهابة والايمان، وتراءت لي الكتابة المنقوشة عليه تلخيصا لكثير من مواقف هذا القائد الصحابي الجليل، فعدت الى صفحات الكتب لأفيه بعض حقه في هذا البوح، حيث تشير كتب التاريخ الى أبي عبيدة عامر بن الجراح بأنه من السابقين الى الاسلام، شهد بدرا وأحدا، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجر الى الحبشة وإلى المدينة أيضا، وكان يدعى القوي الأمين، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة. وهو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ، كنيته «أبو عبيدة»، وقد اشتهر بكنيته ونسبه الى جده، فهو أبو عبيدة بن الجراح.
وقد لقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ»أمين الأمة»، حيث قال: «لكل أمة أمين، وإن أميننا، أيتها الأمة، أبو عبيدة بن الجراح. وهو أحد الأمراء الذين سيّرهم الخليفة أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، إلى بلاد الشام لفتحها، ولما ولي عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الخلافة، عزل خالد بن الوليد واستعمل أبو عبيدة عامر بن الجراح. وقد رفض أبو عبيدة النجاة بنفسه من الطاعون الذي حلّ بعمواس عام 18هـ/639م، حيث أن الخليفة عمر بن الخطاب، كتب اليه، يريد أن يخلصه من الطاعون قائلا له: «إذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح إلا متوجها إلي.. وإذا وصلك في الصباح ألا تمسي إلا متوجها إلي.. فإن لي حاجة إليك»، وقد فهم أبو عبيدة قصد عمر، وأنه يريد أن ينقذه من الطاعون، فكتب الى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور، قائلا: «لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين، وعرفت قصدك، وإنما أنا في جند من المسلمين، يصيبني ما أصابهم.. فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين». ولما وصل خطاب أبي عبيدة الى عمر بكى، فسأله من حوله «هل مات أبو عبيدة؟ فقال «كأن قد» أي أنه إذا لم يكن قد مات فإنه صائر الىالموت لا محالة. وقد مات أبو عبيدة، رحمه الله، في ذلك الطاعون مع تسعة وعشرين ألفا من الجند.
هناك العديد من الروايات حول المكان الذي توفي فيه أبو عبيدة، غير أن الراجح أنه توفي في غور الأردن، فيما صار يعرف بغور أبي عبيدة، وقد كان مقامه عبارة عن قبة بناها السلطان المملوكي الظاهر بيبرس، حيث وجدت بلاطة رخامية أثرية عند مدخل المقام، تشير الى ذلك. وقد زار هذا القبر الرحالة ابن بطوطة عام 725هـ/1324م، وكتبقائلا: «فمررت الغور، وهو واد بين تلال به قبر أبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الامة، رضي الله عنه، زرناه وعليه زاوية فيها الطعام لأبناء السبيل، وبتنا هناك ليلة».

أحمد الشقيري
يرافقني في جولتي كل من الصديق طالب البلاونة والدكتور حسين مناور البلاونة.. ها قد أنهيت زيارتي لمقام أبي عبيدة عامر بن الجراح، وأنتبه عند البوابة الى المقبرة المجاورة للمسجد، فيلتقط الصديقان الالتفاتة، وهما يعرفان مسار كتابتي حين أزور أية قرية.
 أسير برفقتهما الى تلك المقبرة؛ أكفان أخرى من الخضرة تغطي القبور، والخبيزة تحتضن التراب وأسماء الراحلين، وهناك بعض أشجار على أطراف المقبرة،والدروب بلون العشب المختلط بالحناء بين الشواهد المزروعة في كل مكان، نسير فيها، نقرأ الفاتحة على الموتى، ونمشي الى أن نصل قبرا متواضعا، مزنّر بسياج حديدي بسيط، تحت شجرة تحاذي مسجد أبي عبيدة، وأخرى شجرة زيتون مزروعة فوق شاهد القبر المكتوب عليه: «الفاتحة.. (ولا تهنوا ولا تحزنوا، وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).. أحمد أسعد الشقيري.. ولد في قلعة تبنين عام 1326هـ-1908م.. توفي في عمان عام 1400هـ-1980م».
وقفت هناك، فتداعى للخاطر تاريخ الشقيري، كأول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث ارتبط اسمه بتكوين جيش التحرير الفلسطيني، والدعوة الى الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لحل القضية الفلسطينية، ووالده هو أسعد الشقيري مفتي الجيش الرابع العثماني.
أما كيف قدم استقالته من رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، فتشير وثائق التاريخ الى أنه ترأس وفد المنظمة الى مؤتمر القمة العربي في الخرطوم، الذي عقد في 29/8/1967م، بعد حرب حزيران «الـ67»، حيث ضم الوفد بالإضافة الى الرئيس (الشقيري) كل من سعيد السبع وشفيق الحوت، وقد عرف هذا المؤتمر بمؤتمر اللاءات الثلاثة/لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف/ وحيث أن هزيمة حزيران أثرت سلبا على منظمة التحرير الفلسطينية، مما ادى الى خلافات بين أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة، فقدم احمد الشقيري استقالته في كانون الأول/1967م، وقبلت اللجنة التنفيذية استقالته، وتم انتخاب يحيى حمودة رئيسا للجنة التنفيذية بالوكالة.
بعد هذا التاريخ، ولم يقبل أحمد الشقيري أي عمل رسمي، وكانت معظم اقامته بعد ذلك في القاهرة، متفرغا للكتابة، ولكن عندما وقع الرئيس المصري الأسبق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، غادر الشقري مصر الى تونس احتجاجا. وبعد اقامة قصيرة في تونس، أصيب بالمرض، ونقل الى مدينة الحسين الطبية في الأردن، وتوفي في عمان في 25/2/1980م، عن عمر ناهز الـ72 عاما، وبناء على وصيته، دفن في مقبرة الصحابي أبي عبيدة عامر بن الجراح، في قرية البلاونة في غور الأردن، على بعد 3 كيلومترات من الحدود مع فلسطين.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF