د.جمال الأشقر *
مفهوم المنهج الخفي :
يتعلم الطلبة قدراً كبيراً من المعارف والحقائق والمعلومات والاتجاهات داخل المدرسة من مصادر غير المنهج المقصود أو المخطط له (المنهج الدراسي الرسمي). وهذا النوع من المناهج يتخذ عدة أسماء ولكنها تحت معنى واحد، فتارة يسمى المنهج الخفي أو الصامت وتارة يسمى المنهج المستتر أو الضمني أو غير الرسمي، أو المنهج المغطى.
ولا يوجد اتفاق بين التربويين على تعريف دقيق وموحد للمنهج الخفي إلا أن هناك اتفاقاً ضمنياً حول مفهوم المنهج الخفي الذي سيتضح لنا من خلال التعريفات التالية.
يوصف المنهج الخفي بأنه: «المنهج المتكون من السلوك والقيم والمعاني التي تدرس للطلبة بواسطة المدرس أو المدرسة من غير تخطيط. ويعرف أيضا بأنه: «مجموعة المفاهيم والعمليات العقلية والاتجاهات والقيم والسلوكيات التي يكتسبها المتعلم خارج المنهاج المكتوب بطريقة التشرب ودون إشراف وذلك نتيجة تفاعل المتعلم مع زملائه ومعلميه والإداريين في المدرسة ومن خلال الأنشطة غير الصفية وبالملاحظة والقدوة.
ويرى الخبراء التربويون أن المنهج الخفي يمثل القيم والتوجهات التي تظهر في النشاطات والممارسات وبعض مظاهر السلوك التي يتعرض لها الطلاب داخل المدرسة، مما لا تتضمنه المقررات الدراسية، وهي التي يتأثرون بها ويكتسبونها بصورة غير واعية تقريبا.
وتتمثل هذه النشاطات والممارسات في التوجيهات المباشرة التي يتلقاها الطلبة عن طريق المعلمين والمدراء، أوعن طريق الاقتداء بهؤلاء، كما تشمل بعض النشاطات المباشرة الأخرى غير الصفية، كالاشرطة السمعية والبصرية أو المحاضرات التوجيهية العامة التي يلقيها بعض المحاضرين من خارج المدرسة، أو يحدث خارج المدرسة من نشاطات يكون المعلمون طرفا فيها والطلاب هدفا لها.
وربما يكون المنهج الخفي أبعد أثراً في صوغ توجهات الطلبة من المناهج الدراسية الأكاديمية نفسها، وسبب ذلك المكانة التي يتمتع بها المدرس في نفس الطالب مما يجعله يثق به، فيتلقى عنه هذه القيم والتوجهات من غير مساءلة في كثير من الأحيان، خاصة حين يكون المعلم على قناعة كبيرة بمبدأ معين، وداعيا نشيطا لما يعتقده.
الفوارق بين المنهج
الرسمي والمنهج الخفي
هناك عدة فوارق بين المنهج الرسمي والمنهج الخفي يمكن تلخيصها فيما يلي:
1-المنهج الرسمي منهج مخطط له وهو منهج مقصود أما المنهج الخفي فهو غير مقصود.
2- تأثير المنهج الخفي في التلميذ أوسع دائرة وأكثر عمقا والرسمي أضيق دائرة وأقل عمقا.
3-نتائج المنهج الخفي أسرع انتشاراً من المنهج الرسمي.
4- نتائج المنهج الرسمي إيجابية على الأغلب، أما المنهج الخفي فله نتائج إيجابية وأخرى سلبية.
5- يتعلم التلميذ من المنهج الخفي أشكال التعلم الجماعي بينما يتعلم من المنهج الرسمي الحقائق والمهارات المقصودة التي يوليها المسؤولون الاهتمام (عاشوروأبوالهيجاء،2004،233)
6- يعتبر المنهج الخفي بمثابة جوانب ثابتة ومتغيرة للتعليم المدرسي بعكس المنهج الرسمي، وتؤدي هذه الجوانب إلى إحداث التغيير في سلوك التلاميذ.
مظاهر وأمثلة عن المنهج الخفي
المنهج الخفي في إطار الأسرة
الأسرة هي أول جماعة يعيش فيها الطفل ويشعر بالانتماء إليها، ويتعلم كيف يتعامل مع الآخرين في سعيه لإشباع حاجاته، وتعد الأسرة الوحدة الاجتماعية البنائية الأساسية في المجتمع، وتنشأ فيها مختلف التجمعات الاجتماعية، وهي المسئول الرئيسي عن تطوير المجتمع وتوحيده وتنظيم سلوك الأفراد بما يتلاءم والأدوار الاجتماعية المحددة وفقاً للنمط الحضاري العام.
إن تعليم الطفل الآداب والأخلاق الحميدة، والعادات السليمة هو مسؤولية الوالدين وليس مسؤولية المدرسة وحدها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نحل والدٌ ولداً أفضل من أدب حسن.» ( رواه الترمذي).
ولقد اجاد أحد الشعراء عندما قال:
مشى الطاووس يوما باعوجاج
فقلد شكل مشيته بنوه
فقال: علام تنحرفون؟ قالوا:
سبقت به، ونحن مقلدوه
فخالف سيرك المعوج واعدل
فإنا إن عدلت معدلوه
أما ترى يا أبانا كل فرد يجاري
في الخطى من أدبوه
وينشاْ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
إن التفاعل الاجتماعي في الأسرة والعلاقات بين أفرادها، والحياة اليومية فيها تعلم الطفل الكثير من السلوكيات، والخبرات التي قد لا يتعلمها الفرد إلا في محيط أسرته، فهي الجماعة الأولية التي يخضع الفرد لسلطانها، وتزوده بالعادات، والقيم، وهي أهم وأخطر مؤسسات التنشئة الاجتماعية.
ويمكن أن نعطي بعض الأمثلة لتأثير الأسرة والوالدين بخاصة على سلوك الطفل فيما يدخل ضمن المنهج الخفي:
1- يتعلم الطفل من خلال القدوة الكثير من العادات والأخلاق الإيجابية: كالصدق والأمانة والمحافظة على الصلاة والصدقة.. إلخ وذلك من خلال التزام الوالدين مثلا بتعاليم الدين، وقد يتعلم من خلال القدوة أيضاً عكس ذلك فيتعلم الكذب وإهمال العبادات.. إلخ.
2- يمكن أن يتعلم الطفل العنف والقسوة إذا عامله الوالدين بقسوة واضطهاد.
3- إذا أسرف الوالدين في تدليل أبنائهم فقد ينتج عن ذلك التسيب وعدم الانضباط في السلوك وعدم القدرة على تحمل المسؤولية عند الأبناء.
4- إهمال الطفل وعدم الاهتمام بما يصدر عنه من سلوكيات إيجابية أو سلبية يخلق شخصية قلقة مترددة متخبطة في سلوكها.
5- عدم المساواة بين الأبناء والتفريق بينهم قد يجعل شخصية الطفل حقودة وأنانية.
6- قد يكتسب الطفل عادة التدخين إذا كان أحد الوالدين أو كلاهما مدخناً.
المنهج الخفي في إطار المدرسة
يمكن أن نجد المنهج الخفي فيما يتعلمه الطلاب من طبيعة العلاقة بين المدير والمعلمين، وأسلوب تعامل المعلمين مع الطلاب، وعلاقة المعلمين مع بعضهم البعض، وترتيب الفصول ونوع الأثاث ووضعه في المدرسة، وأحاديث المعلمين العلمية والثقافية والاجتماعية، وتوزيع الوقت الدراسي، واللوائح والأنظمة والتعليمات التي تطبق عليهم.
ومن الممكن تحديد بعض المظاهر التي تمثل المنهج الخفي في البيئة المدرسية ومنها:
1- السلوك الشخصي للمعلم، وعلاقته بالتلاميذ، وأيضاً بمدير المدرسة وبالمعلمين الآخرين... فيتعلم التلميذ من طريقة تعامل المعلم معه الكثير من أنماط السلوك، فقد يتعلم احترام الآخرين وتقديرهم إذا عامله المعلم باحترام وتقدير، وقد يتعلم السخرية من الآخرين وعدم تقديرهم إذا عامله المعلم بسخرية وازدراء.. وهكذا.
2- يتعلم التلميذ التسيب وعدم الالتزام بالقوانين والأخلاق والنظم إذا كان المعلم متساهلاً مع التلاميذ ولا يكترث بأخطائهم.
3- يتعلم التلاميذ الإهمال لآراء الآخرين ومقاطعتهم إذا كان المعلم يقاطعهم ولا يترك لهم حرية في التعبير عن آرائهم،وفي المقابل قد يتعلم حسن الإصغاء واحترام آراء الآخرين إذا كان المعلم يصغي لتلاميذه ويترك لهم حرية التعبير عن أفكارهم وآرائهم وقد يتعلم التعالي والتكبر إذا عامله المعلم بهذا وقد يتعلم التواضع إذا عومل به.
4- طريقة تناول المناهج المكتوبة لبعض المسائل قد تكون ضعيفة أو خاطئة فتؤدي إلى عكس المراد. فقد يقرأ الطالب من بين السطور معاني لا يقصدها المنهج المكتوب.
5- نظام المدرسة بما يتضمنه من عدد ساعات الدوام، ومن توزيع تلك الساعات، ومن وجود فصل بين الجنسين أو اختلاط، ومن ضبط لنظام الثواب والعقاب أو تسيُّب فيه..
6- ويقال مثل ذلك عن المفارقة بين الأهداف التربوية المعلنة، وبين المحتوى الذي ينبغي أن يجسِّد تلك الأهداف.
7- البناء المدرسي بما يحويه (أو يفتقده) من مسجد وملاعب ومختبرات ومكتبة وتدفئة وتهوية ومقاعد مريحة وحجم مناسب لغرفة الصف ولعدد التلاميذ فيها، وأجهزة كمبيوتر وقاعات للمحاضرات والأنشطة...
8- العلاقة بين التلميذ وزملائه وتفاعله معهم وما يمكن أن يتعلمه منهم من خلال التقليد أو التأثير والإقناع. فقد يتعلم التلميذ من زملائه في الفصل عادات طيبة وإيجابية كالنظافة وحب التعلم والصدق والأمانة واحترام الآخرين... إلخ إذا كان زملاؤه ملتزمين بهذه السمات وقد يتعلم الغش والكذب واللامبالاة والسخرية من الآخرين إذا كان زملاؤه هكذا.
9- الأنشطة التي يشترك فيها التلميذ في المدرسة تعلمه الثقة بالنفس والتعاون وحب العمل وتنظيم الوقت حسب طبيعة النشاط والدور الذي يلعبه التلميذ فيه.
جماعة الأقران والمنهج الخفي
إن الطفل يحتاج لتكوين جماعة غالباً ما تكون في مثل سنه هم أصدقاؤه وأقرانه ويقارن نفسه بهم، ويقوم الأقران بدور فعال في إكساب الأفراد سلوكيات معينة، حيث يتم من خلال تدعيمهم لسلوك زملائهم. فالطفل مع الأقران يدخل في خبرات جديدة تختلف عما ظهر في حدود الأسرة الضيقة، فمجتمع الأقران يتصف بالاتساع.
ومن خلال الاقتداء والمحاكاة للأقران يتعلم الفرد الكثير من السلوكيات ويكتسب العديد من الاتجاهات فمثلاً:
1- يتعلم الطفل من خلال محاكاة أقرانه الكثير من الأخلاق والسلوكيات الايجابية مثل: الصدق والأمانة والالتزام بالدين، إذا انخرط في جماعة أقران تتسم بهذه السمات الطيبة.
2- أيضاً من خلال المحاكاة يتعلم الطفل الأخلاق والعادات السيئة مثل الغش وتعاطي المخدرات والتدخين والكذب والسرقة... إلخ.
ولذلك فقد حث الإسلام على أهمية الاختلاط بالرفقاء الصالحين والنهي عن رفقاء السوء قال تعالى «ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً». (سورة الفرقان، الآية 29 )
وهنا يأتي دور الأسرة والمنهج الدراسي في تعليم الأبناء الكيفية السليمة التي يختارون بها أصدقاءهم وأن تعلمهم كيفية مناقشة أمورهم الخاصة بموضوعية مجردة متسمة بالحرية في إبداء الرأي واتخاذ القرار وكيفية اتباع الاتجاهات الصحيحة والتحلي بالأخلاقيات الحميدة، ويوفروا لهم المحبة والمودة، فذلك يقلل من التأثير السيئ لجماعة الأقران.
وسائل الإعلام والمنهج الخفي:
المقصود بوسائل الإعلام جميع المؤسسات والهيئات الحكومية، والأهلية التي تنشر الثقافة للجماهير، وتعنى بالنواحي التربوية كهدف لتكيف الفرد مع الجماعة، ومن هذه المؤسسات الصحف، والمجلات، والإذاعة، والتلفزيون، وشبكة المعلومات (الإنترنت) على اعتبار أنها تقدم من المعلومات أكثر مما يقدم عبر وسائل الإعلام الأخرى.
ومما لا شك فيه ونحن نعيش هذه التطورات المذهلة في عالم الإعلام والاتصالات أن يلعب الإعلام دوراً هاماً وخطيراً في التأثير على اتجاهات الأفراد وسلوكياتهم.
إن تأثير وسائل الإعلام في اتجاهات الأفراد وأفكارهم كبير وخطير، ونحن اليوم في هذا الوقت الذي تطورت فيه وسائل الإعلام إلى حدٍ بعيد جداً لنواجه خطراً جسيماً على قيمنا وأخلاقنا الإسلامية، مع وجود غزوٍ فكريٍ يستهدف هذه القيم والأخلاق؛ فأصبح لزاماً علينا مواجهة هذا الخطر وذلك بغرس القيم والمبادئ الصحيحة في نفوس أبنائنا مما يساعدهم على التمييز بين الغث والسمين مما يبث عبر الوسائل الإعلامية المختلفة التي أصبحت في متناول الجميع، وأصبح من الصعب التحكم فيها أو منعها.
وهنا يأتي دور الأسرة في مراقبة الأبناء وتوجيههم وقبل ذلك تربيتهم التربية الإيمانية التي تحميهم من التأثير السيئ لهذه الوسائل.
تأثير المسجد في سلوك
الأفراد واتجاهاتهم
يؤدي المسجد وظيفة حيوية في حياة الأفراد والجماعات، وهو مؤسسة هامة من مؤسسات التربية والتعليم ؛ ففي المسجد تنطلق الدعوة إلى التمسك بأهداب الدين، والقيم الخلقية والروحية، والتقرب من الله سبحانه وتعالى وهذه تربية إيمانية نحن اليوم في أمس الحاجة للتركيز عليها.
وثمة عوامل تدعونا إلى بذل مزيد من الاهتمام بالتربية الإيمانية، ومنها:
1ـ أن المتغيرات الجديدة تتسم بانفتاح هائل للشهوات، وأبواب الفساد المحرمة، من خلال القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت، والانفتاح المتزايد على العالم الآخر.
2ـ أن المتغيرات الجديدة تطغى فيها الماديات ويعلو شأن تعلق الناس بها، وإن وسائل الاتصال المعاصرة ومصادر الثقافة الجديدة تنقل الناس إلى عالم مادي بحت لا صلة له بما وراء المادة المحسوسة، ولا صلة له بالدار الآخرة وما يدعو إليها، بل إن الفتنة بالمنهج العلمي تقود إلى التشكيك في كل مالا تدركه حواس الناس القريبة. كل هذا يدعو إلى الاعتناء بتدعيم التربية الإيمانية وتقويتها في كافة المؤسسات التربوية والتعليمية.
ولا يوجد مؤسسة ترعى التربية الإيمانية أفضل من المسجد؛ ذلك أن المسجد فيه الجو الرباني الذي يلقي بظلاله الروحية على الإنسان لا سيما أن المسلم يتصل بالمسجد خمس مرات في اليوم من خلال صلواته الخمس. ويمكن أن يلعب المسجد هذا الدور من خلال: حلقات الذكر، مراكز تحفيظ القرآن والندوات والمحاضرات...إلخ.
تأثير مؤسسات أخرى في المجتمع
(الأندية والجمعيات)
مع تطور الحياة، وتراكم الثقافة، وتنوعها ظهرت في المجتمع مؤسسات اجتماعية متنوعة لم تعرف من قبل. من بين هذه المؤسسات الأندية بمختلف أنواعها فهناك أندية رياضية، وثقافية، وعلمية. وعلى الرغم من التخصص في ناحية معينة لهذه الأندية إلا أننا نجد لها اهتمامات في شؤون متعددة، ونجدها توفر لأعضائها العديد من ألوان النشاطات.
تترك هذه المؤسسات أثرها في نفوس الأطفال والشباب حسب المؤثرات التي يتعرض لها الطفل أو الشاب في هذه المؤسسات فهو يلتقي بكثير من الشخصيات ويتفاعل معها فتؤثر فيه وفي سلوكه ففي النادي أو الجمعية يتفاعل مع شخصيات فيتأثر بها سلباً أو إيجاباً حسب طبيعة هذه الشخصيات وأسلوب تعاملها معه ومدى تقبله للتأثر بهم.
وسائل ضبط المنهج الخفي
والتقليل من آثاره السلبية
إن مشكلة توجيه المنهج الخفي وضبطه والحد من آثاره السلبية على الناشئة تشكل مهمة ليست باليسيرة على المربين، ومهما يكن، فإن الحاجة ملحة إلى ضرورة الإشراف المتواصل على الأبناء وتوجيههم باستمرار، والاهتمام بمصالحهم ورغباتهم وحاجاتهم، وقد يتحقق ذلك من خلال التعاون والتنسيق الهادف والمدروس بين المدرسة والمجتمع المحلي التابعة له.
إن السلوكيات الخاطئة والأفكار المنحرفة والمعلومات المغلوطة لا يتعلمها الطالب على علم ودراية من المدرسة وإنما غالباً ما تكون من خلال المنهج الخفي لأن المنهج الرسمي المعلن يخضع للتخطيط، ومحتواه ينسجم والأهداف العليا التي تنشدها المدرسة كما أنه يخضع للإشراف والمتابعة من قبل المعلم وإدارة المدرسة والإشراف التربوي، وبالتالي فإن النتائج التي يحققها المنهج الرسمي هي نتائج مضمونة تصب في المقاصد السامية للتربية. أما المنهج الخفي فإذا كان بعيداً عن الإشراف والمتابعة والرقابة فإن الطالب يكتسب من خلاله سلوكيات ومفاهيم وقيم غير مرغوب فيها، تسهم في تشكيل أنماط شخصيته وبالتالي تنعكس على سلوكياته داخل المدرسة وخارجها.
ولكي يقوم المنهجان المعلن والخفي بدورهما في إشاعة روح الأمن وصناعة الوحدة الوطنية ينبغي اتخاذ العديد من الإجراءات والإحتياطات والتدابيرمنها:
1- تنمية الوازع الديني لدى الطلبة والقائم على التقوى والالتزام بالمبادئ النابعة من العقيدة الإسلامية وما تحض عليه من آداب وقيم واتجاهات، إضافة إلى تعميق مفهوم الوسطية لديهم بما يمكنهم من فهم دينهم فهما متكاملا ومتوازنا وليشكل ذلك لديهم المعيار الذي على أساسه يضبط الطالب سلوكه وتصرفاته ويقبل أو يرفض القيم والأفكار التي يتلقاها من خلال المنهج الخفي.
2- تقوية الإرادة عند الطلاب لأن المنهج الخفي مفتوح ويتطلب الاختيار السليم من كل ما يعرض عليه والاختيار السليم يتطلب الإرادة القوية.
3 الوقاية خير من العلاج، ومحاولة إبعاد الطلاب عن الممارسات التي تؤدي إلى إكسابهم بعض السلوكيات والقيم أو الأفكار غير المرغوب فيها، وهذا قد يتعذر في كثير من الأحيان ولكن إذا كان ولا بد من تعرض الطالب لتلك المواقف، فلا بد من وجود الإشراف والمتابعة من الأشخاص الذين تثق المدرسة بقدراتهم وأخلاقهم ونزاهتهم.
4ـ التركيز أثناء المنهج المعلن على المستويات العليا والمتقدمة في التفكير مثل التحليل والتقييم والحكم على الأشياء ليستطيع الطالب عند تعرضه للمنهج الخفي أن يقيم الأشياء ويحكم عليها ومن ثم يختار على بصيرة بدلاً من التركيز على التلقين والتذكر وهي مستويات دنيا تعود الطالب على تقبل الأشياء على علاتها ودون تمحيص أو دراسة واعية ناقدة.
5- التركيز في المدرسة على مهارات تطوير الذات وبناء الشخصية وتعزيز الثقة بالنفس وتقبل النقد واحترام الآخر وهي مهارات يمكن تدريب طلابنا عليها وتطوير قدراتهم واكتشاف ذواتهم ليكون الطالب قادراً على التعامل بإيجابية مع المواقف الجديدة التي يتعرض لها.
6-إذكاء روح الوسطية وتبيان أهمية المنهج الوسط، وأهمية الثبــات عليه وعدم النكوص والتراجع عنه، وأن النكوص والتراجع عن الوسطية لا سيما وقت اشتداد الضغوط والأزمات يعد خرقاً للوحدة الوطنية وجريمة عظمى بحق الإنسان ومكتسباته ومدخراته ومقدراته.
7- حسن اختيار القيادات على اختلاف مواقعها في كل الشؤون الدينية والمدنية والعسكرية وأن تكون هذه القيادات المختارة من الذين يثبت أنهم يمثلون فئة الوسط كما بين ذلك القرآن الكريم والسنة النبوية.
8- ألا يسمح باستغلال أي خاصية من أي نوع كان في ترسيخ أو تأصيل أو بث قيم تخرج عن الوسطية التي حددها القرآن الكريم والسنة النبوية سواء كان ذلك على المنابر أو في قاعات التعليم والتعلم أو في الأندية الأدبية والثقافية أو في المعسكرات ونحوه، كما أن هذا ينطبق على الذين يحاولون الإقلال من مكانة الدين والثقافة الأصيلة المقترنة به.
9- أن تلتزم مؤسسات التربية والتعليم الرسمية وغير الرسمية بتأكيد الانتماء الوطني وتحقيق الوحدة الوطنية، واعتبار أن أي نوع من التعامل الذي يشكل تمييزاً أو تفرقة هو من قبيل الاعتداء على الوحدة الوطنية.
10- العمل على إطلاق تطبيقات وآليات تنمية مهارات التفكير العلمي والموضوع الإبداعي والنقدي في مختلف الممارسات التربوية الرسمية وغير الرسمية سعياً لتقوية التفكير الاجتماعي، والتخلص من الأفكار التقليدية في الحوار والمناقشة والطرح، وتقليصاً لخاصية الرأي الأوحد، والتسلطية التربوية.
إن المناهج الخفية ذات مصادر تفوق المناهج المعلنة ويكاد لا يوجد مصدر واحد لا تستثمره المناهج الخفية في سبيل ترسيخ أو إضفاء قيم معينة لدى جميع شرائح المجتمع وفئاته. إن أي خلل في أي جهاز رسمي أو غير رسمي في الدولة هو مصدر لمعلومات تبث في نفوس الناشئة وغيرهم وتترك أثراً بيناً لديهم يصعب تغييره عبر أساليب المنهج المعلن، ومن هنا كان ضرورياً أن تتناغم المناهج المعلنة والخفية ولكن هذا التناغم لا يمكن أن يحدث على الإطلاق إلا في إطار سياسات إصلاحية جذرية عامة تكاملية.
* أستاذ مساعد/ جامعة البلقاء التطبيقية سابقا/ جامعة صحار سابقاً- سلطنة عمان/ وباحث في شؤون التربية