حرصت الشريعة الإسلامية على تطبيق القوانين بعدالة ومساواة على جميع فئات المواطنين في الدولة، لمنع آفة التغول عليها وحتى يجد المواطن الأمن والأمان في ظلها، والعلاقة بين الدولة والمواطن علاقة تبادلية تقوم على التكامل وتحقيق المصالح العامة، لذا قررت الشريعة الغراء مراعاة الحقوق والواجبات حتى تنعكس ايجاباً من أجل البناء القويم والتنمية الشمولية في جميع مناحي الحياة، ومقاومة كل مظاهر الفساد والعبثية، وحتى تكتمل الصورة لا بد أن نتحدث أولاً عن واجبات المواطن الصالح تجاه المجتمع والدولة التي يعيش في ظلها.
أول هذه الواجبات: الحفاظ على أمن المواطنين وعدم الاعتداء على دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم، لأن من حق المواطن في الدولة أن يعيش فيها آمناً على نفسه وماله من الاعتداء عليهما بأي وجه، وهو حق ثابت شرعاً لكل مواطن سواء أكان مسلماً أم ذمياً، لقوله صلى الله عليه وسلم: « كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه «، ولتقريره صلى الله عليه وسلم هذا الحق في الدولة الإسلامية، في صحيفة المدينة : «وأنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة» وقوله عليه السلام: «وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة» ولإجماع العلماء على عصمة دم المسلم وماله بالإسلام، وعصمة دم الذمي وماله بعقد الذمة.
وثاني الواجبات: الخضوع لقانون الدولة وسلطتها العامة، بحيث يجب على المواطن المسلم وغير المسلم في الدولة أن يرجع في حل مشكلاته ونزاعاته إلى قانون الدولة وسلطتها، لا إلى قانونه هو وسلطته، ولا إلى قانون عشيرته وسلطتها، كما لا يجوز للمواطن أيضاً أن يتطاول على قانون الدولة ويمتنع عن تطبيقه على نفسه أو على أقاربه، مستقوياً بنفوذه أو بنفوذ عشيرته، لأن الخضوع لقانون الدولة وسلطتها العامة واجب على كل مواطن، مسلماً كان أم غير مسلم، ودليل ذلك قوله عليه السلام في صحيفة المدينة: «وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مردّه إلى الله عز الله وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم».
وثالث الواجبات: الولاء للدولة وعدم التآمر عليها: ويقصد به أن يكون المواطن المسلم والذمي مخلصاً للدولة، بحيث لا يتآمر عليها ولا بأي وجه من وجوه التآمر المادي أو المعنوي، ولا يسعى فيها بالإفساد والشغب وإتلاف الممتلكات العامة أو الخاصة، ويحتم الواجب الشرعي والوطني والأخلاقي إعلام الدولة بكل كيد وتآمر عليها يعلمه المواطن الشريف من المسلمين أو غير المسلمين، ودليل ذلك قوله عليه السلام في صحيفة المدينة مقرراً: «وأنّ بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم» وهذا هو في حقيقته الولاء والإخلاص للدولة.
ورابع الواجبات: المشاركة في صيانة الأمن العام للدولة: من الأولويات أن تسعى الدولة في تحقيق الأمن العام داخل حدودها، يتم ذلك بالقضاء على الجريمة، ومطاردة المجرمين، ومقاومة المشاغبين، وعلى هذا لا يجوز لأي من المواطنين أن يتدخل بنفوذه لحماية المجرم، كما لا يجوز لأي من المواطنين أن يكون عوناً للظالم المعتدي من أقاربه أو معارفه على أمن الدولة والمجتمع، يدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم في صحيفة المدينة: «وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم، أو ابتغى عطية ظلم، أو إثماً أو عدواناً أو فساداً بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم».
وتقتضي المشاركة في صيانة الأمن العام للدولة تسليم المجرم والمنع من إيوائه ونصره، وقد شدد الرسول الكريم في هذا الواجب على مواطني الدولة في المدينة المنورة حين قال في الصحيفة:» وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه، وإن نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل».