خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

هل «الواسطـة» نوع من الفساد ... ؟

هل «الواسطـة» نوع من الفساد ... ؟

-
-
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

إبراهيم كشت

إذا كان المقصود بالسؤال (الذي نصَّبَ نفسه عنواناً لهذه المقالة) البحث عن إجابة قانونية ، فالأمر سهل ، حيث اعتبر قانون هيئة مكافحة الفساد أن قبول الواسطة والمحسوبية التي تلغي حقاً أو تُحقُّ باطلاً فساداً (المادة 5/ و من القانون) ، كما اعتبر القانون ذاته الواسطة والمحسوبية التي تتضمن الاعتداء على حقوق الغير أو على المال العام شكلاً من أشكال الفساد (المادة 4/ج من قانون هيئة مكافحة الفساد) ، وعلى رأي القانونيين فإنه لا اجتهاد في مورد النّص .
غير أني لم أقصد بطرح السؤال البحث في الجوانب القانونية ، وإنما أردت التطرق الى مدى ما تنطوي عليه (الواسطة) من (فسادٍ) في الثقافة والفكر والقيم ، وما تُحدِثُهُ من (فساد) على مستوى النفس والمجتمع . وأعني بالفساد هنا مدلوله الواسع ، وليس مدلوله المالي والإداري وحسب ، فالفساد بدلالته اللغوية والفكرية الواسعة هو الخلل والخراب والتلف الذي يلحق بأي شيء فيخرجه عن طبيعته النافعة ، ويغيّر من دوره الإيجابي ويجعله ضارّاً ، ويقلبه من صالح الى (فاسد) . فأَنْ يفسُدَ الطعام مثلاً معناه أن ثمة خللاً أدرك مكوناته فأثّر فيها أو أتلفها ، فلم يَعُدْ مادة صالحة لغذاء الإنسان ، مثلما أن الفساد في مجال الإدارة والوظيفة والمال والأعمال يبدل من صورة السلطة ودورها ، فبدل أن تستعمل في خدمة النفع العام تتوجه الى المنافع والمكاسب الشخصية ، وتلحق الضرر بالمجتمع ...

استخدام كلمة (الواسطة)
 لا يخلو من فسادٍ في اللغة ..!
نعم ، فكلمة (واسطة) والأفعال المشتقة منها ليست دقيقة لغوياً في تعبيرها عن المقصود بها ، فنحن نقول في الاستخدام العامي أن فلاناً (توسّط) لفلان ، إذا سعى له في وظيفة أو ترقية أو مكسب أو ميزة أخرى ، لاعتبارات خاصة ، كالقرابة ، أو الصداقة ، أو المصلحة ، على حساب العدالة أو تكافؤ الفرص أو مقتضيات القانون أو المصلحة العامة ، أوعلى حساب (الآخر) صاحب الحق والأولوية ، بينما يعني (التوسّط) في اللغة : أخذ الوسط بين الجيد والرديء ، ويعني كذلك : السّعي في الصلح بين فريقين بالحق والعدل . والحق والعدل أبعد ما يكونان عن الواسطة والتوسّط بمعناهما العامي الاجتماعي الشائع .
وربما كان تعبيرُ (المحسوبية) أكثرَ أداءً للمعنى العامي المقصود بالواسطة ، حيث يشير معناها الاصطلاحي (أي المحسوبية) إلى : منح الحَسَبِ والنّسب والصداقة والمعرفة والمصلحة اعتباراً خاصاً ، وتمييز الأشخاص على أساسها ، وذلك على حساب الكفاءة والجدارة ، وعلى حساب الاعتبارات الموضوعية المهمة . وربما كان تعبير (المُحاباة) أيضاً مناسباً ومؤدّياً للمعنى بشكل مـن الأشكال ، وبخاصة أن كلمة (المحاباة) قد استخدمت قديماً في تراثنا وفي الأحاديث المأثورة.
إذن ، فما يسميه عامة الناس (واسطة) هو في واقعه (محسوبية) و(محاباة) ، غير أنهم اختاروا لفظاً أكثر تهذيباً ، وأقل ارتباطاً في الذهن بمعاني الفساد ، فقالوا أنها (واسطة) ، وأعتقد أن اختيار لفظ يحمل دلالة ايجابية للتعبير عن سلوك سلبي فيه – بحد ذاته - شكل من (الفساد) في استخدام اللغة ..!

فساد الثقافة في بيئة تعيش بها الواسطة
لا تنبتُ (الواسطة) ولا تنمو ولا تمتدُّ ، إلاّ في ظل ثقافات وأفكار وقيم واتجاهات وأعراف تعززها وتبررها وتضفي عليها الشرعية ، بل تجعل من الخروج على مقتضياتها خطأ اجتماعياً يستوجب العقوبة (العقوبة الاجتماعية) مثل الاتهام بعدم مساعدة الأهل ، ونسيان المعارف بعد الوصول للمنصب ، والخوف ، وعدم التمكّن ، إضافة إلى تشويه السمعة وربما المقاطعة . كما تجعل هذه الثقافة من ممارسة الواسطة فعلاً يستوجب المكافأة الاجتماعية ، كوصف من قام بها بالنخوة ! وإغاثة الملهوف ! وحُبّ المساعدة ! والاخلاص للعشيرة والقبيلة والإقليم ! ووصفه بعد ذلك بأنه (رَجلٌ بحق) ، فكأنما الرّجولة تكون في مخالفة القانون ، ومجافاة الحق والعدالة ، وظلم الآخر ، ومحاباة الأقربين ، والانتماء الضيق !
وتأخذ الواسطة في مجتمعنا صيغة العُرف ، ليس العرف بمعنى العادة التي درج عليها الناس لفترة طويلة وكرروها وصارت جزءاً من ممارستهم وحسب ، بل العرف بمعنى ارتباط العادة المتكررة بالاقتناع والإلتزام ، أي بأن مخالفتها أمر تترتب عليه عقوبة (عقوبة اجتماعية) كما ذكرنا فيما سلف ، إضافة إلى الاعتقاد بأن اللجوء لطلب الواسطة أمر لابد منه في كل الأحوال ، حتى لو كان الموضوع الذي يبغي طالب الواسطة الحصول عليه مجرد خدمة عادية تؤديها الدوائر الحكومية بسهولة ويسر ووقت قصير .

كيف تُفْسِدُ الواسطة النفوسَ؟
على المستوى النفسي ، إذا وجد الذين لم يحظوا بمنافع ناتجة عن المحسوبية ، أن أقرانهم ومن حولهم منن ظفروا بها قد تفوّقوا عليهم ، ونالوا الحظوة أو الجاه أو المال أو المكانة أو الوظيفة أو الشهادة أو سوى ذلك من المميزات ، التي ما كانوا ليدركوها لولا تلك (الواسطة) ، ولولا غياب تكافؤ الفرص والعدالة والمساواة ، فإن ذلك يبعث في نفوس هؤلاء الذين حرموا من تلك المميزات شعوراً بالإحباط والغبن ، مع ما ينجم من الاحباط عن عدوان وحقد ، قد يتوجّه إلى خارج النفس ونحو المجتمع ، سواء إلى الجهة المسؤولة عن هذا الاحباط ، أو يتوجه لاشعورياً إلى جهة أخرى بديلة ، أو يرتدُّ هذا العدوان إلى داخل النفس فيجر معه مآسي نفسية أخرى .
أخيراً، قد تُجدي القوانين والأنظمة والتعليمات في الحدِّ من (الواسطة) ، ولكن في نطاق جدُّ محدود ، فأصل البلاء كامنٌ في القيم وأنماط التفكير والأعراف والولاءات والانتماءات ، وقد يكون لأساليب التربية والإعلام وبثّ الوعي تأثير في تغييرها ، لكنه يحتاج إلى زمن طويل ، ما لم تبرُز عوامل جديدة وتغييرات جذرية ، تؤثر في القيم والأعراف وأنماط العلاقات بشكل واسع وعميق .

Facebook.com/Ibrahim.kasht

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF