من صفات الشخص الذي يعاني الآخرون من ساديته هو أنه يتلذذ بآلامهم ، غير أن للسادية صورا كثيرة ودرجات متفاوتة وهنالك ما يمكنني تسميته بالسادية والعدوانية المبطنة التي قد يكون التعبير عنها بإظهار التعاطف مع "المعذبون في الأرض" فكم من شخص لا يشارك الآخرين إلا أحزانهم ومصائبهم وكم من فرح يشكو فيه أصحابه من قلة عدد الحاضرين في حين أن بيوت "الأجر" قد تكتظ بطالبي الأجر عن طريق تأدية واجب العزاء، وكذلك "فزعات" المصائب وما أكثرهم وما أكثرها! وإن أردتم إثباتا فلتذهبوا- أبعدكم الله عنها- إلى أقسام العناية الحثيثة في المستشفيات ولتقارنوا بين من يحاولون اقتحام ابوابها لزيارة مريض لم يكن يعنيه كثيرا قبل المرض وبين زوار من تجاوز مراحل الخطر.
منا من يظهرون بمظهر المتعاطِف الذي يفيض تسامحا وحنانا إذا ما حلت بالآخر مصيبة لكن قد يكون وراء هذا التعاطف نوعا من أنواع التلذذ بمصائب الآخرين، ولو كان هذا التآزر حقيقيا ونابعا من القلب لوجدت أن من يشاركك المصائب هو ذاته من يشاركك أفراحك التي يتنحى عنها متذرعا بأي ذريعة، هو لا يرغب في رؤيتك فرحا لأن فرحك يؤلمه تماما كما يفرحه ألمك.
ولذا فالمقياس الوحيد برأيي الشخصي وقد يختلف معي البعض وقد يتفق البعض الآخر لمعرفة صديقك الحقيقي ومن يهمه ما تؤول إليه أحوالك هو من يشاركك فرحك وحزنك معا، بل قد يكون الصديق الحقيقي هو من يفرح لفرحك ويشاركك إياه لا من يقطع مسافات لرؤيتك في مصيبة في حين يصبح فيه قطع المسافات بمناسبة مفرحة أمرا مستحيلا، إنها سادية الحنان ، سادية مرضية اجتماعية تجعلنا أو تجعل بعضنا يتلذذ على مستوى الشعور أو اللاشعور بآلام الآخرين، وكلما ازدادت نسبتها كلما وجدت الشخص يكثر من عبارات المواساة التي قد تحمل بين طياتها رصاصة في القلب لمن يعيها كأن يقول مثلا: "سبحان الله كل الناس كانوا حاسدينك" والناس هنا ضمير مستتر تقديره القائل ذاته، أو : " شايف الدنيا ؟ " ليس بقصد لا تحزن بل بقصد لا تتوقع ما هو أفضل و" ألله يرحم أيام زمان"، تلك الأيام التي كنت فعليا فيها تؤلمهم بسعادتك وبخلوك نسبيا من المصائب
لكن ما لا نعيه في كثير من الأحيان أو ما نحاول أن نقنع أنفسنا به هو أننا ما دمنا متفرجين فنحن في منأى عن الابتلاءات وهذا عارض مرضي آخر
ولا أراكم الله مكروها ....ونسأل الله أن يشفينا من المرض المستفحل في القلوب