قرار إنشاء سجل لرصد الأخطاء الطبية في مستشفيات وزارة الصحة يثير بعض التساؤلات نظرا للمفارقات المحيرة بين مبررات القرار الرسمية وتأملات الأطراف المعنية في العملية العلاجية .
ما زلنا منذ عشر سنوات نواصل مسيرة البحث في أعماق المحيط عن مسببات كارثة والصندوق الأسود يطفو على سطح الماء ونرفض النظر بواقعية لموضوع الأخطاء الطبية في الأردن معتبرين أنها سببا وليست نتيجة لتراكم عدة عوامل تساهم في وقوعها وتكرارها.
ماذا يعني على أرض الواقع إنشاء سجل يهدف لرصد أسباب الأخطاء الطبية والتحقق من شكاوى المواطنين وتشكيل لجنة فنية لدراستها غير مواصلة الجلوس في منصة المتفرجين بانتظار حدوث خطأ لنمنح للمتضرر رقم في قيد الوزارة بانتظار تراكم الأرقام التي سيملأها الغبار على رفوف النسيان ؟ الأخطاء الطبية واقع مرير للطبيب قبل المريض توجد في جميع بلاد الكون ويتم تضخيمها في الأردن منذ بضع سنوات وأظهرت جميع الدراسات العالمية أنه لا يمكن منع حدوثها بشكل قطعي وأن 80% منها تعود لخلل في النظام الصحي وليس لأخطاء بشرية .
نحن نعرف أن لكل شكوى تصل لوزارة الصحة ونقابة الأطباء ملف ورقم وذلك منذ سنوات فعن أي سجل جديد نتحدث؟ كذلك هل سيكون هذا السجل مكتملا ودقيقا طالما أن مدراء المستشفيات هم جراحوها ورؤساء أقسامها ولطالما أننا حصرنا الدراسة بثلاثين مستشفى حكومي وتغاضينا عما يجري في ستين مستشفى خاص؟ وجود سجل للأخطاء الطبية أمر مثمر إن كان سجلا وطنيا لكافة حوادث المستشفيات الأردنية تدون به الحقائق وأدنى الحوادث العلاجية والمضاعفات لكافة الأطباء يتم استغلال محتوياته واستنتاجاته بصورة علمية من أجل مستقبل امن للمرضى لكن هل ذلك ممكن وغالبية المستشفيات الخاصة يملكها رفاق ومساهمين؟
إذا كنا بالفعل جادين في الوصول لحلول لتخفيض حدة الأخطاء الطبية فما أهم من إنشاء سجل فضولي لمعرفة عدد حالات الأخطاء الطبية المفترضة التي وحده القضاء مؤهل لتحديد طبيعتها وهو أن نبحث بموضوعية عن مسبباتها ونعالجها ونسائل أنفسنا إن لم نكن نحن مسؤولين عن التسبب بحدوث بعضها وبقدرتنا تفادي جزء منها في المستقبل ؟
ألا نفتح الباب واسعا أمام الخطأ ليتسلل عبره عندما يقدم 671 مركزا صحيا خدماته لعشرة ملايين مراجع في السنة ب 124 ممرضا قانونيا؟ هل مستغرب إن تعرض مريض لمضاعفات يمكن تفاديها في مستشفيات ينقص بعضها الوسائل التشخيصية والعلاجية اللازمة والكوادر الطبية والتمريضية الكافية والكفؤة وينتظر المرضى بطوابير في أقسام الطوارئ للحصول على معاينة لجلطة قلبية وينتظرون أسابيع أو شهور قبل تمكنهم من الفوز بمكان على قائمة العمليات؟ هل نعمل جادين لتخفيض معدل الأخطاء إن خلطنا الأوراق ولم نحافظ على المستوى الأكاديمي العريق لكليات الطب ولم نفرض تطبيق نظام تعليم طبي مستمر إلزامي على كافة أطباء الوطن لاكتساب الجديد المفيد؟ لماذا لا تحدث أخطاء ومستوى بعض كليات التمريض يتدهور والضغط والإرهاق النفسي والجسدي على كوادر العناية والعلاج لا ترحم ونكدس كل شهر الاف المشمولين الجدد بالتأمين الصحي دون زيادة في عدد مقدمي العلاج؟ ألم تزدهر ظاهرة الأخطاء بفضل صمتنا على التجاوزات في القطاع الخاص التي تمارس بحرية ولا من يراقب ولا من يعاقب وأي طبيب بإمكانه ممارسة اختصاص غير مؤهل له ويستطيع استيراد واستخدام ما يرغب من أجهزة غير مرخصة ويعرض المرضى الأبرياء علنا للمخاطر ويعلن عن ذلك جهارة ولا أحد يتصدى لحماية الأبرياء؟
الأخطاء الطبية رغم قلتها في الأردن حسب عدد الشكاوى الرسمية غدت موضوعا سهلا وجذابا لبعض وسائل الإعلام وتحتاج لحلول جذرية لا نخطط لها بعلمية ولا نمنح أهل الخبرة فرصة تقديم وتطبيق ما لديهم من أفكار وما زلنا نرفض الغوص في مسبباتها الحقيقية وطرق مكافحتها ونكتفي بوضع مراهم خيالية على جرح يقطر التهابا .