د. حازم رياض عناقره - يعد التفكير من أكثر الموضوعات التي تختلف الرؤى حولها، وتتعدد أبعاده وتتشابك، لتعكس تعقد العقل البشري وتعقد عملياته. فالتفكير مفهوم كغيره من المفاهيم المجردة التي يصعب قياسها مباشرة، أو تحديد ماهيتها بسهولة، لأن لكل إنسان اسلوبه الخاص في التفكير والذي يتأثر بنمط تنشئته وبيئته، ودافعيته، وقدراته، ومستواه التعليمي، وغيرها من الخصائص والسمات التي تلعب دورا في تشكل شخصية الإنسان
والتفكير نشاط معرفي يرتبط بالمشاكل والمواقف المحيطة بالإنسان وبقدرته على تحليل المعلومات التي يتلقاها عبر الحواس من خلال ما يملك من معارف وخبرات ومهارات ومعتقدات سابقة، حتى يتمكن من الوصول إلى حل لمشكلة أو تحليل لموقف أو تفسير المعلومات، بهدف التكيف والتأقلم مع المحيط الذي يعيش فيه. لذا فإن التفكير يشمل القدرة على استخدام الذكاء بصورة عملية، والمعالجة العقلية للمدخلات الحسية بهدف تشكيل الأفكار، والربط بين المعارف السابقة التي يمتلكها الانسان والمعارف الجديدة التي يتعرض لها، فالتفكير مفهوم افتراضي يتضمن سيلا من الافكار والصور والذكريات والانطباعات العالقة في الذهن.
والتفكير سلوك متطور ونمائي يختلف في درجته ومستوياته من مرحلة عمرية الى مرحلة اخرى، وعليه فإن التفكير يتغير كما ونوعا تبعا لنمو الفرد وتراكم خبراته، كما يعتبر التفكير سلوكا هادفا، فهو لا يحدث في فراغ أو بلا هدف، وإنما يحدث في مواقف معينة ويأخذ أشكالا أو أنماطا عديدة كالتفكير الابداعي والناقد والمجرد والمنطقي وغيرها، ويمثل التفكير الفعال التفكير الذي يوصل الى افضل المعاني والحلول والمعلومات الممكن استخلاصها، مع التأكيد على ان التفكير مفهوم نسبي فلا يعقل للإنسان أن يصل الى درجة الكمال في التفكير او ان يحقق ويمارس جميع أنماط التفكير.
وتصنف مهارات التفكير الى أساسية وعليا، فمهارات التفكير الاساسية تعنى بالاعمال اليومية الروتينية التي يقوم بها الانسان ويستخدم فيها العمليات العقلية بشكل محدود، كبناء المعرفة وتذكرها، والملاحظة، والمقارنة، والتصنيف، والتفكير الحسي أي المعتمد على الحواس .أما مهارات التفكير العليا فهي تتطلب الاستخدام الاوسع والمعقد للعمليات العقلية، ويحدث هذا عندما يقوم الانسان بتفسير وتحليل المعلومات ومعالجتها للإجابة عن سؤال أو حل مشكلة لا يمكن حلها من خلال الاستخدام العادي لمهارات التفكير الدنيا، وتتطلب هذه المهارات القدرة على التقييم أي اصدار الاحكام والاراء الفاعلة، والقدرة على الاتيان بالحلول غير المألوفة أو النتائج غير المتوقعة، والقدرة على طرح أفكار ممتعة ومثيرة.
إن نجاح الانسان وتقدمه في أي مجال سواء كان تربويا أو اقتصاديا أو سياسيا أو بيئيا أو اجتماعيا يعتمد على نمط واسلوب تفكيره، لذا فإن تفكير الانسان ينبغي ان يكون خاليا من التحيز من خلال الاهتمام والفهم الكلي لجميع جزئيات الموقف، وعدم الاقتصار على جزئية محددة أو فترة زمنية محددة، بل أن يأخذ بعين الاعتبار جميع الفترات الزمنية للفكرة المناطة بالتفكير،وينبغي أن يبتعد الانسان عن التفكير المتمركز حول الذات بل يأخذ بعين الاعتبار جميع وجهات النظر، فلا يكون هدفه تبني أفكار وأراء مضادة لشخص أو موقف ما لغاية المعارضة أو محاولة إبطال صحة الرأي الاخر، بل يجب عليه أن يملك القدرة على النقد البناء من خلال الموضوعية والمصداقية في التفكير، وتجريد نفسه من الموقف الذي يناقشه بأن لا يعتبر كل شئ منعكس ومؤثر عليه شخصيا. كما ينبغي على الانسان خلال ممارسة التفكير عدم التمسك بالافكار والاحكام الاولية التي يصل اليها عند بداية التعامل مع موقف أو ظاهرة معينة، بل يجب البحث عن الاسباب والادلة التي تدعم أو تدحض فكرته حتى يتم إثباتها أو بطلانها. وما أحوجنا اليوم ونحن نعيش في ظل الربيع العربي أن نفكر بشكل عقلاني ومنطقي حتى نتمكن من فهم وإدراك ما يحيط بنا بكل المجالات والصعد، وأخذ الدروس والعبر، والتخطيط للمستقبل بجدية ووعي صادق.
مناهج علوم واساليب تدريسها
