لا مبرر إطلاقاً لما حصل في مجلس النواب ،وتحت القبة، أمس الأول وإذا كان لامجال لسماع وجهة النظر الأخرى في هذا المكان والرد عليها بالمنطق والحجة فكيف نستغرب عنف الجامعات وعنف «الحراكات» وكيف نسمع مطالبات وفي «هذا المكان» أيضاً بالحوار الديموقراطي بينما في هذا المكان نفسه يتم الحوار بالقبضات وبالشتائم وبالكلام غير المقبول وغير المعقول والذي يجب ألاّ يقال لا في هذا المكان ولا في الشوارع والحارات الخلفية!!.
لقد كان مشهد أمس الأول مرعباً وأخطر ما فيه أنه قدم لأطفالنا وشبابنا ولجنودنا البواسل الذي يحرسون هذا الوطن ،الذي غدا مزنراً بالنيران، نموذجاً سيئاً حيث إذا كان المنتَخَبون من قبل هذا الشعب العظيم الذين من المفترض أنهم يمثلونه, يتصرف بعضهم بهذه الطريقة البدائية المفزعة فكيف نعتب على الخارجين على قيم مجتمعنا وعلى الذين لا يُتقنون إلاّ لغة العنف وتبادل اللكمات وكأننا محكومون بشريعة الغزو وقيم مجتمعات الغاب!!.
لا يجوز التصرف بهذه الطريقة وإذا كان البعض يعتقدون أنهم محميون بعشائرهم وقبائلهم فعليهم أن يدركوا أولاً أن هذه العشائر والقبائل لها قيم ترفض هذه الأساليب البدائية التي لا تليق لا بأعضاء مجلس من المفترض أنه يمثل هذا الشعب ولا حتى برعاة الأغنام وأن يدركوا ثانياً أننا مجتمع عشائري وأن لكل فردٍ منا عشيرته القادرة على الدفاع عنه إذا كان لابد من التغول على القوانين النافذة وفي بيت القوانين الذي من المفترض أنه يقدم لأطفالنا وشبابنا صوراً جميلة تليق بوطننا وبمكانته العربية والعالمية وليس مشاهد لأحذية متطايرة وقبضات مرفوعة في الهواء ومفردات لا يمكن تبرير التفوه بها مهما حدث ومهما حصل.
نحن نعرف أن أهم برلمانات العالم وأعرقها حدثت فيها مشاجرات وحدث فيها تراشق حتى بالرصاص ولكن هذا حدث في البرلمان الإسباني في مرحلة الجنرال فرانكو الديكتاتورية وكان ذلك عشية إسقاط تلك المرحلة الكريهة واستبدالها بهذه المسيرة الديموقراطية المثيرة للإعجاب كما أن ذلك لم يتكرر كما بقي يحصل في برلماننا منذ حادثة «صَلْم» الاذان الشهيرة والمعروفة وما بقينا نراه ونسمعه من استعراضات «قبضياتية» تثير الاشمئزاز ويندى لها الجبين.
إذا كان الذين استمرأوا هذه الأساليب المرفوضة من أعضاء مجلس النواب لا يعرفون أن نظرة الشعب الأردني الى هذا المجلس ،الذي يجب أن نحرص كلنا على ان تكون صورته مثار إعجابٍ للأردنيين كلهم وبخاصة الشباب والأطفال، قد تدنت وأن بعضهم لم يعد يرى أن هناك ضرورة له فصورته غدت مشروخة والمشكلة هنا أن الناس في هذه الحالات لايُفرقون بين المحسن والمسيء ولا بين الصالح والطالح وأنهم يضعون الجميع في سلة واحدة.
نحن الآن هنا في المملكة الأردنية الهاشمية وفي المنطقة العربية كلها نمرُّ بظروف استثنائية تقتضي المزيد من الحكمة والتروي والمزيد من أن نستوعب بعضنا بعضاً وأن نستمع لمن يخالفنا الرأي وذلك لأن التسلح بالنزق والعربدات وبخاصة تحت قبة «البرلمان» يدل على قلة الحيلة وعلى عدم القدرة على مواجهة الحجة بالحجة وهذا مخالف لكل تعاليم الاسلام العظيم الذي دعا الى «وجادلهم بالتي هي أحسن» و «إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً».
...وهنا فإن أخشى ما نخشاه أن نرى ،إذا بقيت الأمور تسير في هذا النسق، مظاهرات تجتاح البلاد وتطالب بإلغاء مجلس النواب من أساسه وأستبداله بمجلس وطني معين يضم عدداً من أهل العلم والأخلاق والكفاءات في شتى المجالات... وفي النهاية فإنه لابد من القول لهؤلاء :لقد طفح الكيْل!!