لا أحب الاستغراق في الماضي، ولا العيش أسيرة له مهما كان هذا الماضي مشرفا أو معيبا سعيدا أو حزينا فقد أصبح في ذمة التاريخ، لذا أفضّل أن أفكر فيما سيحدث غدا، أو ما يجب أن يحدث غدا أو ما سأفعله غدا.
طبعا أحن الى الذكريات، وأستشعر متعة في استعادة بعض التفاصيل، ولكن حين أقع في هذه الحالة أكون واعية تماما الى أنها صفحات قد طويت، وقد فتحت مكانها صفحات وصفحات..
نحن نضع ذكرياتنا في ألبومات صور أو في مقتنيات معينة نعتز بها، ونحتفظ بها في ركن خاص، ولكننا لا ننصرف اليها في كل لحظاتنا، ولا نضيع ساعاتنا في تصفحها، فإن فعلنا ذلك توقفنا عن ممارسة الحياة ومتابعة تطورها.
فيمضي العمر وإيقاع الحياة يتباطأ لكن اللحظات تمضي مسرعة، وما كان ماثلا في الذهن يتلاشى فلا تبقى الا صور هلامية، الذكريات تصبح باهتة وصور الماضي يكتنفها الضباب وينظر المرء الى الامام فيجد ان المساحة قد تقلصت والخيارات محدودة.
يحاول الكل منا أن يتمسك باللحظة،يقتنص منها اقصى استمتاع.
فلم أكن أدري بأني سأنفض غبار عام كامل في منفضة أحشائي والتي طالما احتوت الاشياء، لأحمل دلوا مليئا بالاصداف المختلفة والتي طالما بقيت غريبة فوق رأسي وأسير فيه الى هضبة عام جديد آخر، وأصعد قمم جباله النيزكية... الى بانوراما الوجوه والوجود هناك.....
لأجد راية العمر وقد غرست في صميمها ... لذا سأرحل بهذا العام على طريقتي....
وسأرمي دلو ماء ثلاثمئة وخمسة وستين يوما ودقيقة المدجن... خلف ظهري، سأحوّل جسدي الى شظايا نيزكية متفق مع ذلك الجبل، احتفاء بانقضاء هذا العام الذي جعلتني أيامه بثاني أكسيد الألم الذي قصصته حية الى حين... سأودع هذا العام الذي سرق مني صباحاتي الطافحة بالبهجة، كما سرق احتفالي الحقيقي بالحب.