مضى 18 عاما منذ مدريد مرورا بأوسلو وصولا إلى أنابوليس. وهذه المدة هي أكثر من كافية لمعرفة الطريق التي أوصلتنا إليه المفاوضات مع إسرائيل: تعميق عدة جوانب من الاحتلال، والتوسع السرطاني الاستعماري/ الاستيطاني الصهيوني، وتقطيع الاوصال، والانقسام السياسي/ الجغرافي الفلسطيني ما بين ضفة وقطاع، أي ما يبدو ضياع حلم تحقيق الدولة الفلسطينية. فعندما استؤنفت المفاوضات بعد توقف دام أكثر من 6 أعوام، استندت الى إعلان أنابوليس الذي أرادته إدارة بوش محطة جديدة على طريق فرض مرجعية جديدة للمفاوضات حيث وضعوا الفيتو في يد اسرائيل وجعلوها تتحكم بها تماما، بل وسمحوا لها بإعادة تفسير اتفاقات أوسلو كيفما تريد وترغب.
في الأشهر الأخيرة، سمحت إسرائيل للسلطة الفلسطينية بنشر قوات من الشرطة في جميع المدن التي كانت تحمل اسم المنطقة أ (وهي المنطقة التي خضعت للسلطة الامنية والمدنية الفلسطينية قبل أن تعيد إسرائيل احتلالها وفرض سيطرتها عليها في العام 2002) ومع ذلك، احتفظت إسرائيل لنفسها بالحق في دخول هذه المدن في أي وقت تشاء. وترفض إسرائيل حتى الآن مطلب السلطة الفلسطينية بإعادة فتح مراكز الشرطة التي أغلقت في المنطقة ب ، وهو دليل على أن إسرائيل قررت إبقاء سيطرتها الأمنية على كامل المناطق الفلسطينية بصرف النظر عن مسمياتها الادارية. وقد تجلى الأمر خلال أحد اللقاءات التي جمعت الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء (إيهود أولمرت)، حين طرح الأخير أفكارا وأراد سماع استعداد فلسطيني للتعامل معها لتنطلق المفاوضات على أساسها. ومعروف أن أفكار أولمرت تلك تناولت قضايا اللاجئين، والقدس المحتلة، والكتل الاستعمارية ومساحة المناطق التي تنوي إسرائيل ضمها من أراضي الضفة الغربية والأغوار. واستثنت (افكار اولمرت) التي عرضها على الرئيس عباس ما يسمى منطقة القدس الكبرى باعتبار أن هذه الأخيرة جزء من أراضي إسرائيل، وهي تمتد من حدود رام الله إلى حدود بيت لحم!!!.
وبحسب (خريطة أولمرت)، تضم الكتل الاستعمارية/ الاستيطانية في الضفة إلى إسرائيل، وتوسع أفقيا لتحقيق التواصل مع باقي الكتل الاستيطانية. ولحل مشكلة ترابط وتواصل أراضي الدولة الفلسطينية، يعرض (أولمرت) البحث في بناء سلسلة من الجسور والأنفاق. أما منطقة الأغوار، فهي بحسب (الخريطة) مجال أمني حيوي وتبقى تحت السيطرة الإسرائيلية مع ممر إلى جسر اللنبي/ الملك حسين ، أي تبقى على حالها كمنطقة ج ، بحسب تعريفات اتفاق أوسلو، حيث تكون السيطرة عليها إسرائيلية، على أن تبقى المستوطنات في المنطقة على حالها. ولا تتضمن (خريطة أولمرت) للأغوار سهل غور الأردن فقط، بل تشمل منطقة واسعة بعمق 17 كيلومترا من نهر الأردن وتصل إلى حدود طوباس. وبالنسبة إلى قضية اللاجئين، ترفض (الخطة) عودة أي لاجئ إلى إسرائيل، وهو الموقف الذي تجمع عليه كل القوى السياسية الإسرائيلية الحاكمة.
مما سبق (اللهم إلا إذا كان تحت الطاولة غير ذلك) يتضح مدى بعدنا عن الحل. فمنذ أنابوليس، تعلن إسرائيل بشكل دوري، عن مشاريع استيطانية حول القدس، متحدية المجتمع الدولي. والآن هل نحن محلك سر؟ أم ترانا نسير إلى الخلف؟ فحتى اتفاقات أوسلو التي رفضها كثيرون في حينه، باتت اليوم هدفا نتمنى أن تحافظ إسرائيل عليه. ويكفي قراءة ما كتبه يوسي سريد في هآرتس تحت عنوان أنابوليس يتبخر كالدخان لمعرفة أين باتت الأمور أين حيث يقول: متى انعقد هذا المؤتمر؟ ربما قبل عشرين سنة، ربما قبل عشر سنوات ؟ لا يعقل؛ لا تضحكونا، لا تبكونا. فمن لا يزال يؤمن بانه حتى نهاية 2008، حتى النهاية البائسة للرئيس الامريكي جورج بوش، سيتحقق اتفاق ويوقع؟ كالكلاب سيعودون على أعقابهم، سيتغطون بخريطة الطريق، التي لا يوجد فيها طريق، وبالكاد اتجاه . ويضيف: يبدو أنابوليس بعيداً جداً والاتفاق أبعد مما كان في أي وقت مضى: حاجز واحد معزول لم يزل حقا من مكانه، وأكثر من 10 الاف فلسطيني لا يزالون في سجوننا. المواقع غير القانونية في مكانها مثلما كانت أمس وأول أمس، غير مكترثة وواثقة أكثر من أي وقت مضى من عدم رغبة أو عجز الحكومات الإسرائيلية عن إزالتها!!!.