د. محمد عبد الكريم الشوبكي
مستشار الأمراض النفسية والعصبية
نعيش في عالم؛ أغرقنا بوسائل الاتصال السريع , و ليس آخرها الانترنت(...) الذي كاد أن يحل في كل منزل في مجتمعاتنا .
وبما أننا نقضي وقتا طويلا خارج منازلنا بسبب العمل ومتطلبات الحياة الحديثة التي أرهقت البشر بضرائبها , ومع دخول طلبة المدارس , والجامعات الإجازة الصيفية الطويلة , وبالتالي فإن مراقبتهم تتدنى.
كان لابد لي من طرح هذا الموضوع خاصة وانه لمسنا في السنوات الأخيرة تصاعداَ في حالات الأطفال ومن هم في سن المراهقة وكذلك الكبار الذين يعانون من حالات نفسية خطيرة نتيجة لتعرضهم لمشاهدة الأفلام الإباحية .
ففترة الطفولة تتميز بنمو عقلي دماغي , وذهني , وسلوكي , وعاطفي ,
واجتماعي , يجب أن يكون نموا طبيعيا الى حد ما, والدماغ مبرمج للاتجاه الجنسي السليم , فالتعرض للأفلام الإباحية يؤثر على هذه البرمجة الدماغية مؤديا الى إعاقة , وتشويه وتخريب هذا النمو , وبالتالي اضطراب الهوية النفسية والجنسية للإنسان , إنها فترة حرجة وهامة لدى الأطفال ومن هم في سن المراهقة , فالمشاهدات السابقة تختزن في الدماغ عن طريق هرمون Epinephrine) -ابينفرين ), وهرمونات الغدة الكظرية , وهذا هو السبب في الاستمرار بل الإدمان على المشاهدة , وهي أيضاَ تصرف بعد فترة ما بطريقة شاذة .
فالهوية الجنسية تنمو بشكل تدريجي وبطيء خلال مرحلة الطفولة والمراهقة , من خلال الأهل , والتعاليم الدينية , والمدرسة , والمرشدين , إن الأفلام الإباحية تكسر هذا النمو التدريجي بشكل صارخ , فهي تعلم الطفل مفاهيم وسلوكيات جنسية خاطئة وشاذة , وتشوه الهوية الجنسية , بالرغم من أننا نعاني في معظم الأحيان صعوبة في إفهام الأطفال السلوك الجنسي السليم .
فمشاهدة الأفلام الإباحية تؤدي الى اختلال القيم والمبادئ و الهوية الجنسية لدى الأطفال , فمع كل ما يبذله الأهل من محاولة تعليم الأطفال عن السلوكيات الجنسية السليمة , والشرعية . وبكل الأسف فان الدراسات تشير إلى أن المواقع الإباحية , والمجلات , والصور , والألعاب الجنسية , أكثر تأثيرا على الأطفال . خاصة وأنها تحوي المشاهدة على أفلام الفيديو , والإثارة , والغرابة , حتى أفلام الكرتون , فهي ذات تأثير أقوى من الاستماع الى النصائح من الأهل , فهي أكثر إغراء , إنها الآفة التي تهلك أطفالنا وتجردهم من كل القيم , والأخلاق , والسلوك السوي.
فمئات الدراسات والأبحاث الغربية تؤكد النتائج التالية للأطفال وسن المراهقة حتى بعض كبار العمر :
النتيجة الاولى:
إن كل علماء النفس والأطباء النفسين والباحثين الاجتماعين يؤكدون أن الشذوذ الجنسي لا علاقة له بالوراثة , بل هو سلوك متعلم , من خلال خبرات شاذة أثناء مرحلة الطفولة والمراهقة بشكل عفوي أو مقصود قد لا يتذكره الشخص , هذا ما تؤكده آخر الأبحاث الطبية النفسية .
= النتيجة الثانية:
إن تعرض الأطفال للأفلام الإباحية يؤدي بهم الى السقوط في حالة ما يعرف بالشذوذ الجنسي تجاه الأطفال (Pedophillia) . أي الميل الجنسي تجاه الأطفال فقط هو السائد . ولذلك الوقوع كفريسة لمن لديهم هذا الشذوذ أو الذين يقومون بنشر مواقعهم الخاصة بذلك وهؤلاء يعزفون عن الزواج بسبب هذا الشذوذ الجنسي وينتهون بالسدمية ( اللواط ) .
النتيجة الثالثة
إن الأفلام الإباحية تؤدي الى ضعف الميل الطبيعي الجنسي أو اندثاره , وتغير الاتجاهات النفسية العاطفية , والجنسية تجاه الأم , والأب , والأخوة , والجيران , والمجتمع , مما يؤدي الى تعزيز سلوكيات شاذة إجرامية كالاغتصاب , والسادية , ونكاح المحارم (Incest), فقد وجدت الدراسات أن معظم المراهقين( 70% ) مارسوا الاغتصاب والسادية ونكاح المحارم , قد شاهدوا أفلاما إباحية قبل الممارسة بفترة وجيزة بشكل تقصدي كمثير للإقدام على هذه الجرائم الجنسية .
النتيجة الرابعة
إن الأفلام الإباحية تؤدي الى الإدمان الجنسي الذي يؤدي الى اضطراب الشخصية الضد اجتماعية بسبب ترهل وهشاشة الانخراط الاجتماعي السوي , والتحصيل الأكاديمي , وضمور الوازع الديني مما يؤدي الى حالات خطرة كالحمل غير الشرعي , فمشاهدة الصغار للأفلام الإباحية تؤدي بهم الى ممارسة الجنس مع محارمهم أو أقربائهم سواء الذكور أو الإناث ,أو ممارسة الجنس مع من هم اكبر أو اقل سنا .وبهذه الطريقة فان الأطفال حينما يكبرون ينظرون الى المرأة والزواج بطريقة غير طبيعية مشوهة ومبخسة , ويميلون الى استخدام العنف والشذوذ ,والسادية في سلوكياتهم الجنسية.
إنها نتيجة ما اكتسبوه من مفاهيم راسخة خاطئة في عقولهم ... إنهم ينظرون الى المرأة بالدونية , والإحنقار , ويستخدمون الوسائل الشاذة الإجرامية ,فهم يعانون من تشوه الصورة الحقيقية عن الجنس , والعلاقات الجنسية , ويميلون أكثر الى الانحراف , والميل الى عدم الزواج , وداء الشكوك الزوجي إذا تزوجوا .
النتيجة الخامسة:
إن مشاهدة الأفلام الإباحية تقود الى الانخراط الاندفاعي في ممارسة الجنس مع المومسات مما يؤدي للأمراض السارية خاصة AIDS الايدز , والزهري , والسيلان , و السيفلس , وهي ذات علاقة طردية مع مشاهدة الأفلام الإباحية لدى المراهقين , وكذلك الحال بالنسبة للفتيات وزيادة الحمل غير الشرعي , والإقبال على الحشيش و المخدرات والكحول .....الخ .
مع تأكيد جميع الأبحاث أن الأطفال ومن هم بسن المراهقة وكبار السن الذين يمارسون هذه المشاهدات مصابون بالكآبة , والقلق النفسي , و ضعف الأداء في واجباتهم الحياتية الأكاديمية , والاجتماعية , والعملية , واضطراب العلاقات العائلية , واضطراب العلاقات الزوجية , وزيادة نسبة الطلاق حسب الدراسات من ستين إلى ثمانين في المئة في الدول الصناعية , حينما يكون احد الزوجين أو كلاهما مدمنا على الأفلام الإباحية , وهذا ينجم عن الآثار السلبية التي تحدثها هذه المشاهدات من تخفيض الهرمونات الجنسية , والدافعية الجنسية وبالتالي ضعف الأداء الجنسي لدى الطرفين , حيث أن كلا منهما ينظر الى الأخر بصورة غير مرغوب فيها وغير قادر على إشباع الرغبات الجنسية التي يشاهدها في هذه الأفلام ظنا منه أن هذا الأمر طبيعي .
مع تأكيدنا على أن الباحثين في هذا المجال يرفضون أن تكون هذه الأفلام نوعا من التعليم او التثقيف الجنسي ويؤكدون إنها غير صحية وخطرة على النفس , والجنس , والجسد , فالغرائز لا تحتاج الى تعليم او تثقيف بل الى التهذيب
والصقل
تعد عملية تحصين الأطفال والمراهقين وحتى الكبار في العمر مسؤولية ليست عائلية فقط , بل هي أيضا اجتماعية , فالمجتمع يتحمل مسؤولية درء هذه الآفات بكافة مؤسساته كي ينمو المجتمع بشكل صحي , فالإصلاح الاجتماعي أولى من الإصلاح السياسي الذي تمارسه بعض فئات المجتمع كالأحزاب , والتجمعات الجماهيرية , وكذلك الحال فان الشركات المسؤولة عن تجارة اشتراك الانترنت , وهي قادرة على وضع حماية الدخول من المشاهدات الإباحية بمواقعها المختلفة لكافة المشتركين بشكل إجباري وليس اختياريا كما هو حاصل . فهي تشترك في مسؤولية جريمة عدم حجب هذه المواقع , ولا بد أن تكون في موقع من المساءلة والمحاسبة من جميع النواحي عبر المؤسسات الرسمية المختصة والفئات الاجتماعية النشطة التي تهتم بالإصلاح الاجتماعي .
www.dralshobaki.com