حبذا لو يتسع المقال لأتحدث عن الخرز كل الخرز ، ابتداء من خرزة البئر، وهي حنو البئر أو فم البئر حين يكون حجرا كبيرا مخروما من وسطه.
ومرورا بخرزة الكبسة (للخصوبة) وعين النمر (للجراة والاقدام) والخمشيت (للصداع) والكهرمان للمسابح الفاخرة، واللؤلؤ للعقود الباهرة وانتهاء بخرزة درء الحسد الزرقاء التي بحجم فص الخاتم. قال مهيار الدليمي: صبا بالمعالي وهو في خرز الصبا يدارى بها في مهده ويعلل وأكد مظفر النواب علاقة الطفل بالخرز في قصيدته الشعبية براءة إذ قال وابنك اللي توه يناغي الخرز بالكاروك قلة لاتخاف اليتم يمه انا ممن تفتحت عيونهم على الخرز مشنشلا على السرير.. وكانت أول طاقية اتذكرها مطرزة بالخرز وكانت عرجة امي ذات سفايف مرصوفة بالخرز الصغير الملون المسمى انحيل ، وكان عنق جدتي مطوقا بعقد من خرز الكهرمان الأصفر الكبير الذي يعتقد انه يجلب السكينة للبيت والطمانينة للاحفاد .. وانا شخصيا عقدت في غرتي خرزة زرقاء درءا للحسد، ولما كان يلتهب حلقي كانت أمي تعلق في رقبتي خرزة بنية موشحة بالصفار، بيضاوية الشكل يقال لها خرزة بنات الأذان ، أي الخرزة المختصة بعلاج التهاب اللوزتين، وخرزة اليشب كانت تعلق بين عيني المصاب بالرمد، وكان الزبرجد يستعمل لتعديل حول العينين، وكانت عند جدي مسبحة سوداء طويلة من خرز اليسر كانت تستعيرها الداية أم حسن لتضعها على بطن المرأة التي تتعسر ولادتها، لتسهل معاناتها، وكان لدى البصارة التي تزور قريتنا بين الحين والآخر حفنة من الخرز والودع.. لقد شكّل الخرز جزءا هاما من ثقافة الأرادنة بدءا من حضارة العرب الأنباط وعلى مر العصور، فلا نقرا عن موقع عاش فيه الأنباط أو مدفن نبطي مكتشف إلا ذكر فيها الخرز النبطي، إذ كانوا يعتقدون أن الأرواح تلوذ بالحجر بانتظار انبعاثها مرة أخرى في حياة جديدة.. كانوا يضعون سرهم بالحجر، ويغلقونه على أرواحهم ليضمنوا الخلود! .. والخرز في المعجم : حجر يقطع بشكل دائري أو بيضاوي أو أي شكل آخر، يقال أنه يجلب الحظ أو المحبه و غيرها من الصفات، بالإضافة إلى أن هناك من قال أن بعض الارواح من الجن أو المخلوقات الغيبية تسكن فيه، أو تهرب منه.. طبعا ليس كل الخرز يؤخذ من الحجر، فهناك خرز اليسر الأسود الذي يؤخذ من مرجان البحر، والخرز المصنوع من نوى الزيتون، أو من الأخشاب العطرية الصلبة، والخرز المأخوذ من عظام الحيوانات كالعاج، واخيرا الخرز المصنوع من اللدائن البترولية.. كم كان مدهشا للناس اكتشاف المسبحة الفسفورية التي تضيء بالعتمة! .. لقد ساند الخرز حياة الارادنة بشكل واسع في التخفيف من ألامهم، وفي تجميل أزيائهم، وفي تدليل خيلهم وإبلهم ومرياع أغنامهم، وألهمهم الطرائف والغرائب في قصصهم وأشعارهم أيضا..
