محمد جميل خضر- الحياة داخل القصر وخارجه، هو الملمح الأهم الذي يقترحه المسلسل المصري «الملكة نازلي- ملكة في المنفى» من إنتاج الأردني المقيم في مصر إسماعيل كتكت.
وفي سياق هذه المساحة الدرامية الواسعة، ينال الجانب الإنساني من حياة الملكة الملاحقة بالهموم والاستحقاقات والمحن، ومن حيوات محيطها، حيزاُ جلياً وناصعاً، في المسلسل المخرج من قبل السوري محمد زهير رجب عن نص للمصرية د. راوية راشد، رصداً للنوازع والرغبات والإخفاقات والصراعات.
والملكة هنا، ودون كثير من الرتوش هي أمّ بما لا لبس فيه، كما إنها امرأة تعشق وتغار وتشتاق وتنتظر وتخاف وتتعثر وتتعب وتحزن في مشاهد متقنة بشكل غير مسبوق للفنانة المخضرمة نادية الجندي.
إنتاج سخي، ظهرت مخرجاته واضحة في مجوهرات الملكة وأزيائها واكسسواراتها ومختلف متعلقاتها، وفي الديكورات وتناوب التصوير بين داخلي وخارجي، سيحصد (بالضرورة) عملا ضخماً، مقنعاً، يحمل أساساً، همّاً ثقيلا، بأن لا يشكل تكراراً لمسلسل «الملك فاروق» الذي استهل به المنتج إسماعيل كتكت مجموعته التاريخية المعاصرة: «الملك فاروق»، «أسمهان»، «ليلى مراد» وأخيراً وربما ليس آخراً «الملكة نازلي».
وفي سياق الجانب الإنساني من حياة الملكة نازلي، يتجلى في الحلقة 25 من المسلسل، مشهد بكائها وحيدها الملك فاروق، وحوارها المؤلم مع نعشه بعدما فقد عرشه، ومات غريباً كئيباً في منفى ملكه في العاصمة الإيطالية روما.
وفاروق ابنها الوحيد من الذكور بين أربعة بنات.
كما تتجلى في مشاهد كثيرة صورة الملكة/ المرأة العاشقة، في سياق إلقاء الضوء على علاقتها بمحمد حسنين باشا رئيس ديوان الملك فاروق في أكثر من مناسبة وتوزيع للمناصب. وهي العلاقة التي- بحسب وجهة نظر د. راوية راشد صاحبة سيناريو العمل- شكّلت الإسفين الأهم في نعش الملكية في مصر، والعامل الأوضح في زوال مجد عائلة محمد علي المنحدرة من أصول ألبانية.
العمل يعتمد، بحسب رؤية مخرجه على ما يبدو، منهجية العرض المحايد، ويتجنب في معظم حلقاته تبني وجهة نظر الشارع المصري، على سبيل المثال، في مواجهة وجهة نظر الأسرة الحاكمة. إنه يتجنب عموماً تبني وجهة نظر على حساب أخرى، فالمرحلة التي يتناولها المسلسل حساسة، والمعاصرة حجاب، ولم تزل كثير من آثارها قائمة حتى يومنا هذا، وما يزال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، يستقر في وجدان كثير من الناس من المحيط إلى الخليج كزعيم عربي خالد، رفع شعار وحدة حقيقية، وتبنى رؤية إصلاحية تغييرية إشكالية، أعجب بها كثير وخالفها كثير.
تفرض نجمة السينما نادية الجندي صاحبة الدور اللافت في فيلم «الباطنية» احترام كل من يتابع دورها وأداءها الأخاذ في «الملكة نازلي»، وتؤكد حقيقة فنية درامية تتلخص بأن الحكم على مبدع لا يأتي من تجربة أو اثنتين، وأن أحداً لا يعلم لحظة النبوغ الإبداعية القصوى.
الحلول الإخراجية عند محمد زهير رجب في معظمها ذكية، ومشاهده مدروسة، ويبدو جلياً في مختلف مراحل العمل الجهد التنسيقي الكبير بين فرقائه: الكاتبة والمخرج والمنتج ومن ثم فريق التمثيل، لحساسية المرحلة المتناولة، ولتعزيز إمكانية عرض المسلسل على شاشات أكبر عدد ممكن من الفضائيات العربية.
رجب مخرج مسلسل «شركاء يتقاسمون الخراب» العام 2008 وقبلها مسلسل «انتقام الوردة» العام 2006، والذي عمل كمخرج مساعد مع نجدة إسماعيل أنزور في مسلسل «الكواسر»، حدب على تصويره الخارجي تماماً كما فعل مع مشاهده الداخلية.
وأولى عناية بالتفاصيل، وترجم معاينة الكاتبة للحياة داخل القصر، كما ترجم معاينتها للحياة خارجه.
ولتحقيق رؤيته وبالتنسيق مع المنتج الأردني المقيم في مصر إسماعيل كتكت، استعان رجب بباقة من الفنانين لتقديم أدوار مهمة في المسلسل ومنهم كمال أبورية، الذى يجسد شخصية أحمد حسنين باشا، ومنال سلامة في دور فوقية، وفايزة كمال في دور سميرة زوجة شريف صبري، وسلوى محمد علي أم رياض غالي، ومحمد متولي في دور النحاس باشا، وسامح السيد في دور شريف باشا صبري ونيرمين ماهر في دور ليزا الأميركية.
وفي مساعي الإنجاح وضع كتكت، بحسب ما أكد للرأي باتصال هاتفي معه، ميزانيات مفتوحة للمسلسل، وسخا بشكل غير مسبوق في مسلسل مصري منذ سنوات، مؤكداً حرصه على «خروج العمل في أفضل صورة ليكون وثيقة تاريخية شاهدة على مرحلة من تاريخ الأمة».
شكّل مسلسل «الملكة نازلي- ملكة في المنفى» رصداً لماحاً وراقياً للحظات الأخيرة في تاريخ عائلة توارثت الملك والمجد، وعاين بعين ثاقبة مخرجات الأفول، والأوقات العصيبة، وانهيار الأحلام والعروش، وتقلبات الزمان، وغدر الخلان، وحافظ في كل ذلك على نَفَس إنساني شفيف ورهيف.