هي اكثر من رصاصة رحمة اذاً، يطلقها الرئيس الاميركي وقائد قواته في العراق وكذلك سفيره في بغداد ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، على رئيس الحكومة العراقية المنتخبة (...) والدائمة نوري المالكي، الذي سجل عهده فشلاً ذريعاً في ادارة المسألة العراقية وفي التعاطي مع تعقيدات المشهد العراقي بعد التاسع من نيسان 2003 والتي وصلت ذروتها (الازمة) بعد ان انحاز المالكي علناً وفي شكل ميداني، الى الميليشيات وارتكاباتها، وظن ان بمقدور امراء الحرب الجدد ، تشكيل شبكة حماية له، تجعل منه رجل العراق القوي في وقت كان الجميع يعلم، بأنه رجل اميركا في العراق، وأن من جاء به الى هذا الموقع ويمكنه اطاحته وقت يشاء .
حانت ساعة الحقيقة، ومناورات ربع الساعة الاخير التي اراد من خلالها زعيم حزب الدعوة انقاذ مستقبله السياسي، انتهت الى فشل ذريع ولن تسهم محاولاته النأي بنفسه عن واشنطن، في تعويمه سواء عبر الخروج على الصحفيين في سوريا بأنه لا يحمل رسالة من احد رداً غير مباشر على اعلان البيت الابيض بأن المالكي يحمل رسالة حازمة الى القيادة السورية، أم في الاحتماء بطهران ومغازلة انقرة ومجاملة دمشق..
هل يهرب المالكي من مصيره؟.
وهل يتمرد على الاميركيين ويبني تحالفاً معلناً مع جيش المهدي؟ واستدراكاً هل تتوفر الرغبة لدى حلفائه الجدد (جبهة المعتدلين وهم هنا المجلس الاسلامي الاعلى العراقي جماعة الحكيم اضافة الى الحزبين الكوريين، الاتحاد بزعامة جلال طالباني والديمقراطي برئاسة سعود برزاني) للحؤول دون اسقاط المالكي وانهاء مستقبله السياسي؟.
للمخيلة هنا ان تلعب دورها..
ولنبدأ بجبهة المعتدلين التي لن يغامر قادتها وخصوصاً الجانب الكردي منهم، بالوقوف في وجه قرار اميركي اتخذ بالفعل وبات تنفيذه مسألة وقت ليس إلاّ، وسيسارع الحكيم كما طالباني وخصوصاً برزاني الى غسل اياديهم من دم المالكي (السياسي بالطبع) ولن يذرفوا الدموع اذا ما هدد رئيس الحكومة المطاحة، بالانسحاب من الجبهة لأن الرجل وحزبه لن يكون لهما الاهمية والوزن المبالغ فيه اصلا ، بعد خروجه من المنطقة الخضراء وفقدان نفوذه القائم في الاساس على الفساد والرشوة والتحريض الطائفي واحتكار الوظائف والاعطيات الممنوحة لجهات واحزاب وشخصيات طائفية ومذهبية معروفة.
الصدريون لن يقوموا برمي طوق النجاة للمالكي، على رغم كل ما بذله الاخير لاستمالة هذا التيار، وما قدمه من دعم مالي ولوجستي وصرف مقصود للنظر عن الجرائم الطائفية والمذهبية التي قارفها جيش المهدي، ناهيك عن عمليات التهجير الطائفي التي تكاد ان تكون الوجه الآخر لعمليات التطهير العرقي العنصرية المعروفة في فلسطين وجنوب افريقيا واميركا الشمالية..
المالكي عارياً..
فقد نفوذه والاصدقاء، دعم الحلفاء واصحاب القرار، وبات ينتظر مصيره بعد ان صدر الحكم، ولم يتبق غير اختيار توقيت انصرافه الى البيت او المنفى وربما تحت الارض لان المؤامرات والدسائس والتصفيات، باتت جزءا ثابتا وقاعدة في العراق الجديد وليس استثناء.
لعلها مناسبة للتذكير بالتصريحات النارية والتهديدات كذلك، دون ان ننسى الوعود التي قطعها المالكي على نفسه في غمرة نشوته المبالغ فيها حد الغرور، لبروزه كشخصية اولى في العراق (الجديد بالطبع) وكيف ذهبت كلها ادراج الرياح، لم يلبث الرجل ان عاد الى طبيعته بعيدا عن التقمص والادعاء والتكاذب السياسي، عاد يغرف من عقلية ثأرية تذهب بعيدا في الخصومة السياسية، ولا تترك هامشا للتسامح ولا تعترف بالمشاركة او تقر بان العراق لكل ابنائه وطوائفه وقومياته، بل كرس نهجا يقوم على الاقصاء والالغاء لكنه في النهاية حصد الفشل وستطوى صفحته قريبا ولن يجد من يأسف عليه.
اين من هنا؟.
بات المسرح مكشوفا، من جاء بالمالكي رفع عنه الغطاء، فلم تعد حكومته جزءا من الامن القومي الاميركي (هل تذكرون اقوال بوش السابقة) والخيبة كبيرة لدى رايان كروكر السفير الاميركي في بغداد الذي يستعد هو وقائد القوات الاميركية في العراق الجنرال بترايوس لتقديم تقرير عن الحال التي آلت اليه الاستراتيجية الاميركية الجديدة في العاصمة العراقية، حيث انتدب نوري المالكي نفسه لقيادة عملية فرض الامن والنظام ، فلا امن توفر ولا نظام ساد، بل ان عبقرية الاميركان (وموافقة المالكي) لم تتفتق سوى عن بناء اسوار عازلة قسمت احياء بغداد، وكان سور حي الاعظمية ابرز دليل على تماهي عقلية الاحتلال الاميركي والاسرائيلي في التنكيل بالعراقيين والفلسطينيين.
لم يعد الدعم الاميركي للمالكي أبديا ، فهو لم يكن كذلك ذات يوم لاحد من رجالات اميركا في العالم، بدءا من شاه ايران وليس انتهاء بماركوس الفلبين او نورييغا بنما وكثيرون في افريقيا واسيا وبلاد العرب.
انتهى المالكي سياسيا وربما شخصيا لكن ماذا عن العراق الذي تحول الى مختبر وساحة لصراع دولي واقليمي طويل فيما يبدو؟.