أ.د.عبدالله الكيلاني - قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ» (الشورى:28) .في كلِّ حبةِ ثلجٍ، وقطرةِ ماء مظهرٌ للرحمةِ الإلهية، والنصرةِ الربانية، بما ناسبَ اختتامَ الآيةِ التي تلوتُ بقوله سبحانه: «وهو الولي الحميد،» أي هو وحده النصيرُ الذي يستحق الحمدَ.
كان من دعاءِ رسول الله، صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في الصحيح فيما روت عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو? «اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» وفي هذا تشبيه للخطايا بالنيران التي تحرق وتستعر، وكما تطفأ النار بالثلج تطفأ المعاصي نار العاصي بالدعاء والاستغفار.
فالذنب نار في القلوب، يحرق صاحبه ثم يورده نار جهنم «نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ.الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ» (الهمزة:6-7).
قال ابن القيم في كتاب فضائل الذكر: وإنما عوقب أهل جهنم بإحراق قلوبهم بالنار لأنها كانت في الدنيا تشتعل بنيران المعاصي فكان العقاب من جنس العمل.
والمال الحرام نارٌ تأكل المال الحلال، الكبر على عباد الله نار تقصم المتكبرين، والمعاصي تقتل في القلب الطمأنينة .
وحين تعرض المعصية على القلب، فمن الناس من ينكرها فيضيء قلبه ومنهم من يلذ بها فيظلم القلب أخرج مسلم في صحيحه: قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ « ربما لم يصل الطب والفحص المجهري إلى إدراك أثر المعاصي، على الجسد بدقة، لكن الأمر لا يحتاج إلى فحص مجهري، يكفي أن تفتح عينيك، «وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً» (الكهف:59) وكم من رجل ذي جاه بات في السجن الذي بناه، حين لم يشكر نعمة الله عليه.والمعاصي لا تقتصر على الاعتداء على الناس أو أكل مال الحرام، بل تشمل التفريط في تربية الأمة وعدم إعدادها لما يمكر بها عدوها.