خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

الجدل حول أفغانستان

الجدل حول أفغانستان

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

إعداد د. حسن البراري

في خضم تبلور نزعات انعزالية في الشارع الأميركي، أخيرا قرر الرئيس أوباما إرسال مزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان استجابة لرغبة قائد القوات ستانلي ماكريستال، كما قامت واشنطن بالضغط على أعضاء حلف الناتو للتعهد بإرسال سبعة الآلف مقاتل بحلول العام القادم.
وكما كانت التوقعات، فقد أعلن الرئيس أوباما إرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان مع بداية العام المقبل. وبالمقابل نص القرار أيضا على أن تكون بداية الانسحاب في شهر تموز 2011. وفي خطابه يوم الثلاثاء المنصرم في أكاديمية ويست بوينت الحربية بولاية نيويورك، قال الرئيس أوباما إن القوات ستنشر بأسرع وتيرة ممكنة، للتصدي للتمرد وبسط الأمن في التجمعات السكانية الكبيرة. وأصر الرئيس أوباما أن قرار إرسال القوات إلى أفغانستان هو ''مصلحة قومية حيوية'' للولايات المتحدة، وأشار إلى أن إرسال هذه التعزيزات سترفع من العدد الإجمالي للقوات الأميركية لتصل إلى 100 ألف جندي وبكلفة قد تصل إلى 30 مليار دولار هذه السنة (المالية)''.
الرئيس أوباما حاول طمأنة الشعب الأميركي بأن ''هذه التعزيزات الإضافية الأمريكية والدولية ستسمح لنا بالإسراع بتسليم المسؤولية إلى القوات الأفغانية وتسمح لنا البدء في نقل قواتنا إلى خارج أفغانستان في يوليو من عام 2011 تماما كما فعلنا في العراق.'' وفي هذا السياق أكد أوباما أن الولايات المتحدة ستقوم بهذه العملية الانتقالية بطريقة مسؤولة، مع الأخذ في الاعتبار الظروف السائدة على الأرض إلى أن تتكلل الجهود الأمريكية بالنجاح على المدى البعيد. هدف القوات الأميركية كان محور خطاب الرئيس أوباما، فلم يعد الهدف هزيمة طالبان، وإنما عكس اتجاه قوتها وتأمين المراكز السكانية الكبرى وتدريب القوات الأفغانية حتى يمكنها تولي مسؤولية القتال.
بطبيعة الحال شكلت مسألة زيادة عدد القوات مادة دسمة للنقاش العام في الأشهر الأخيرة وانقسمت النخب الأميركية بين معارض لزيادة القوات وبين مؤيد لمثل هذه الفكرة. ونظرة سريعة على الصحف الأميركية بعد صدور قرار الرئيس يعكس الانقسام الدائر بشأن الحرب في أفغانستان. ففي الأول من الشهر الجاري، نشرت صحيفة واشنطن بوست افتتاحية بعنوان ''إستراتيجية أفغانية''، امتدحت فيه قرار الرئيس بزيادة عدد القوات في أفغانستان، وأفادت الافتتاحية بأن قرار الرئيس أوباما صائب وينم عن شجاعة، فهو قرار صائب لأنه الحل الوحيد لتجنب الهزيمة التي ستعرض البلاد ومصالحها الأساسية للخطر، ويتسم بالشجاعة لأنه سيبدأ مهمة صعبة ومكلفة يعارضها أغلب أعضاء الحزب الديمقراطي.
في المقابل هناك العديد من الليبراليين والمحافظين في الكونغرس سينتقدون الموازنة المخصصة لهذه الإستراتيجية، بينما ستترك الأفغان في حيرة من أمرهم. فإلى متى سيمكنهم الاعتماد على دعم الولايات المتحدة، وإلى أي مدى؟ كما أن افتراض الرئيس أوباما بأن الضغط بالانسحاب سيعجل بجهود الإصلاح الحكومية أمر ينطوي على مخاطرة، لأنه قد يدفع طالبان إلى انتهاج سياسة الانتظار. وكما حدث مع العراق فإن مسألة وضع جدول زمني لم تكن محط إجماع، فالصحيفة تجادل بأن القادة العسكريين والمدنيين في باكستان سيترددون في الانضمام لقتال طالبان إذا شعروا بأن الولايات المتحدة ستتخلى عن مهمتها في غضون عامين. ورغم تأكيد الرئيس أوباما على الشراكة بين إدارته وباكستان، فإن نجاح هذه الإستراتيجية يتوقف على نجاح الرئيس أوباما في تعزيز هذه الشراكة المهتزة حتى تقف الولايات المتحدة وباكستان وأفغانستان معا في وجه الجماعات الإسلامية المتشددة على جانبي الحدود.
وفي السياق ذاته دعم الكاتب المشهور ديفيد إغناشيوس قرار الرئيس في مقال له نشر على صفحات واشنطن بوست يوم الثلاثاء الماضي قال فيه إن الرئيس أوباما بحث إستراتيجية أفغانستان بروية طيلة أشهر، ولكنه كان واثقا وهادئا وهو يشرح قراره، رغم إدراكه أن هذه السياسة الجديدة ستلقى معارضة من الجانبين، لاسيما من حزبه الديمقراطي. ويوضح الكاتب كيف قدم الرئيس أوباما شرحا دقيقا لتفاصيل السياسة الجديدة في لقاء جمعه مع الكتاب والمفكرين في مكتبة البيت الأبيض، وذلك قبل إلقاء كلمته بالكلية الحربية في ويست بوينت. ويضيف الكاتب أن سياسة الرئيس أوباما الجديدة هي دعوة لإنهاء الحرب بنجاح أكثر من كونها دعوة للحرب. ويرى ديفيد إغناشيوس أن الرئيس أوباما اتخذ القرار الصحيح، إذ ينبغي أن تبدأ إستراتيجية الخروج من أفغانستان بشكل لافت إذ أن الهدف من زيادة القوات الأمريكية هو لتأمين التجمعات السكانية الكبرى، قبل تحويل المسؤولية إلى الجيش الأفغاني وقوات الشرطة. ويرى إغناشيوس أن عملية نقل السلطات هي جوهر إستراتيجية الرئيس أوباما. وبالرغم من حماس إغناشيوس لقرار الرئيس أوباما فهو يحذر من أنه وبالرغم من صحة القرار إلا أنه ومن الناحية السياسية سيثير غضب الكثيرين. فالديمقراطيون سيغضبون لأن الرئيس يقوم بالتصعيد في حرب مكلفة، بينما ينبغي أن يكون الاقتصاد أهم أولوياته، أما الجمهوريون فسيعترضون على جدول الانسحاب الذي يبدأ بعد 18 شهرا، والذي يوحي لطالبان بأنها تستطيع الفوز إذا تحلت بالصبر.
ومع كل هذه المحاذير أصر الرئيس أوباما في كلمته على أن ما يقدمه هو أفضل الخيارات المتاحة، والتي لا يمكن وصف أي منها بأنها مثالية. ويوضح إغناشيوس كيف رفض أوباما المقارنة بين التزامه في أفغانستان وحرب فيتنام، فالفيتناميون لم يقتلوا 3 آلاف أمريكي مثلما فعلت القاعدة، كما أن الولايات المتحدة لا تحارب حركة وطنية في أفغانستان ولم تتعهد بالتزام مفتوح تجاه أفغانستان رغم أهميتها للأمن القومي الأمريكي. في النهاية يرى إغناشيوس أن السؤال الملح بشأن إستراتيجية أوباما ليس سياسيا وإنما براغماتيا عمليا وهو: هل ستنجح تلك الإستراتيجية؟
الإجابة على مثل هذا السؤال تعتمد على تعريف النجاح، فالرئيس عرف النجاح بأنه التركيز على القدرة على تحويل السلطة إلى الأفغان، وأصر على تجنب الالتزام بعملية إعادة البناء، وهو ما سيجعل من السهل إعلان أن النتيجة في 2011 بأنها مقنعة بما يكفي حتى وإن لم تكن النصر المنشود. غير أن تأييد إغناشيوس لا يعني أنه يتفق مع الرئيس في بعض الفرضيات، فالرئيس مثلا يعتقد أن تحديد موعد الانسحاب سيجبر الأفغان على التعاون، وهو الافتراض الذي يعد نقطة الضعف في قراره الصائب.
من جانبه عارض الكاتب المشهور توماس فريدمان قرار الرئيس أوباما إرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان. ففي الثاني من الشهر الحالي كتب فريدمان مقالا نشر في صحيفة نيويورك تايمز يقول فيه إنه لا يوافق على قرار الرئيس أوباما الأخير بشأن زيادة عدد القوات في أفغانستان. ويفضل الكاتب الأسلوب المبسط في التعامل مع زعماء القبائل، والذي نجح من قبل في الإطاحة بنظام طالبان في بداية الحرب.
ويبرر الكاتب موقفه بقوله إن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة بناء داخلي في الوقت الحالي، ولذا فهو يتقبل أن تكون الأمور في أفغانستان أقل من الممتاز إذا لزم الأمر. ويوضح الكاتب إدراكه للرأي الآخر، لاسيما ما قاله الرئيس أوباما في اجتماعه مع المفكرين والكتاب وهو أن التصعيد سيساعد الأفغان في إعادة بناء الجيش والدولة، ومن ثم في الفوز بولاء الشعب الأفغاني كوسيلة لتغيير الأوضاع وتحقيق الاستقرار في المنطقة. غير أن ما يثير قلق توماس فريدمان في هذه الخطة هو أن هناك أطرافا كثيرة (الأفغان والباكستانيين وحلفاء الناتو) ينبغي عليها العمل بشكل مختلف من الآن فصاعدا لضمان نجاح الخطة الأمريكية.
فريدمان يطرح الإطار العام الذي يقوم فيه الوضع الحالي قائلا إن تفكيره في السياسة الخارجية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر اعتمد على أربعة أركان أساسية: أولا مبدأ وارين بافيت (ثاني أغنى رجل في العالم)، وهو أن كل ما حصلت عليه في هذه الحياة يعود إلى حقيقة أنني ولدت في أميركا في هذا الوقت وأتيحت لي هذه الفرص. ومن ثم فإن أهم أولويات جيلي هي إبقاء أمريكا كما هي للجيل القادم. أما الركن الثاني فهو الافتراض بأن العديد من الأحداث السيئة تحدث في العالم دون تدخل أمريكا، مقابل القليل من الأحداث الناجحة. وإذا أصبحت الولايات المتحدة ضعيفة بسبب الديون والتدهور الاقتصادي فلن يمكنها لعب دورها التاريخي في الحفاظ على استقرار العالم. وفي ظل غياب أمريكا القوية، ستظهر قوى أخرى مثل الصين وروسيا وإيران لتضع قواعد جديدة. الركن الثالث هو أن السياق الذي يعيش فيه الشعب يشكل كل ما حولهم بداية من المنظور السياسي إلى المنظور الديني، ويعد هذا السياق السبب في الإحباط والغضب المتزايد داخل العالم العربي والإسلامي، والذي يدفع الشعوب إلى مهاجمة حكوماتها أولا ثم الولايات المتحدة طلبا ''للشهادة''. وقد لخصت تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية للعرب الوضع بقولها إن هذا السياق يسيطر عليه نقص الحرية ونقص التعليم ونقص دور المرأة، على العكس من الهند التي يوجد بها ثاني أكبر عدد للمسلمين في العالم، ولكن سياق الديمقراطية والتعددية بها ساهم في تحسن أوضاع المسلمين بها وعدم لجوؤهم إلى التطرف والعنف برغم الصعوبات المعتادة. أما المبدأ الأخير فيتمحور حول فكرة أن أحد أسباب مقاومة العالم العربي والإسلامي لحركات الإصلاح السياسي الداخلية هو سيطرة الأنظمة الحاكمة على مخزون النفط واستغلالها لعائد مبيعات النفط في تمويل الشبكات الأمنية والإستخباراتية لسحق أي حركة شعبية، مثلما حدث في إيران.
لهذه الأسباب مجتمعة دعا توماس فريدمان ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر الساسة الأمريكيين إلى الاعتماد على وسائل طاقة ووقود بديلة للنفط، ويتفق معه خبراء الاقتصاد في أن مثل هذا الموقف سيساعد في خفض أسعار النفط العالمية وحرمان تلك الأنظمة الحاكمة من مصدر تمويلها الرئيسي الذي يجعلها أنظمة استبدادية. فالشعوب لا تتغير بالأمر، وإنما حينما يتغير السياق المحيط بهم. وربما في هذا السياق يمكن فهم كتاب توماس فريدمان الأخير الداعي لأن تقود الولايات المتحدة قطاع تكنولوجيا الطاقة الذي سيضمن أن تحتل واشنطن مركز القرار على المستوى العالمي في القرن الحادي والعشرين.
لم يغب عن بال توماس فريدمان تجربة العراق إذ يوضح أن حرب العراق لم تكن بهدف القضاء على أسلحة الدمار الشامل، وإنما مساعدة العراقيين في بناء دولة جديدة وسياق جديد بشكل غير مسبوق في العالم العربي. ولكن ينبغي الانتباه للأخطاء التي ارتكبت أثناء إعادة بناء العراق حتى لا تتكرر في أفغانستان. ثم يختتم الكاتب المقال بقوله إن حرب العراق كانت حربا على الإرهاب، بينما كانت حرب أفغانستان حربا على الإرهابيين للقضاء على أسامة بن لادن وحرمان القاعدة من معاقلها الآمنة. ومن ثم، فإن تحويل حرب أفغانستان إلى جزء من الحرب على الإرهاب ومحاولة إعادة بنائها ليس عملا جنونيا، وإنما هو عمل مكلف في وقت تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى إعادة بناء لتعزيز دورها الدولي. وهذا ما يجعله يعارض قرار الرئيس أوباما ويؤيد تقنين الوجود الأمريكي في أفغانستان.
من جانبها شككت الصحيفة اليمينية واشنطن تايمز من قدرات الأفغان على أن يكونوا ايجابيين. وبهذا الشأن أعدت سارة كارتر تقريرا نشرته صحيفة واشنطن تايمز يوم الأربعاء الماضي جاء بعنوان: ''القوات الأمريكية تشكك في قدرات الأفغان''، أوردت فيه أن أحد معاقل طالبان في قندهار شهد مؤخرا اجتماع ما يقرب من 60 من زعماء العشائر الأفغانية لمناقشة تزايد التحديات الأمنية. وكان من بين الحضور قادة وموظفون عسكريون من الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن لم يكن هناك ممثلون من قوات الأمن الأفغانية. وتساءل محمد نبي ? أحد زعماء العشائر من قندهار، الذي اعترف أنه كان من المتعاطفين مع طالبان - ''ماذا تفعل الحكومة لدينا؟''، وأضاف: ''إن الوجوه الوحيدة التي أراها هنا هي لرجال من دولة أخرى، يرتدون زيا عسكريا مثل الروس. فليس هناك من يهتم من كابول''.
ويشير التقرير إلى أن إستراتيجية الرئيس أوباما بشأن الحرب الأفغانية تعتمد بشكل كبير على التعزيز النوعي والعددي لقوات الشرطة والأمن الأفغانية. ولكن بعد 8 سنوات من الإطاحة بطالبان لا يزال العمل مستمرا للوصول بقوات الأمن الأفغانية إلى أن تصبح قوة قوامها 120 ألف جندي أفغاني. في حين يشكك بعض جنود القوات الأمريكية في أن تصبح القوات الأفغانية قادرة على تولي مسؤولية الدفاع عن الشعب الأفغاني.
ويشير التقرير إلى أنه خلال شهر أكتوبر، حيث لقي نحو 59 جنديا أمريكيا مصرعه في أفغانستان، زار مصور ومحرر لصحيفة واشنطن تايمز وادي ارغنداب مايواند في جنوب أفغانستان، حيث لاحظوا غياب أي وحدات من الجيش الأفغاني تقاتل إلى جانب القوات الأمريكية أو حتى تمد لها يد العون. بل إن الجيش والشرطة الأفغانية قد تغيبا في مناسبات عديدة، الأمر الذي أرجأ عمل بعثة قوات التحالف، إذ تشترط القوات الأمريكية مرافقة قوات الأمن الأفغانية خلال مداهمات المنازل الأفغانية. وقال مسؤول عسكري أمريكي تحدث شريطة عدم نشر هويته: ''عندما يكون هناك قتال لا ترى القوات الأفغانية. مما يعطي شعورا بأن الحكومة الأفغانية لا تدعم تلك المعركة. فكل ما يراه الأفغان هي وجوهنا ... إن الحاجة تدعو إلى وضع القوات الأفغانية في الطليعة. هذه البلاد بلادهم، والشعب في حاجة إلى أن يرى ذلك''، وأضاف: ''وفي نفس الوقت، هناك تحديات تواجهنا. فأنا لا أعتقد أن القوات الأمريكية ستثق ثقة تامة في القوات الأفغانية، وكذلك هو الحال بالنسبة للقوات الأفغانية.
البعض يتحدث عن اختلافات بين الرئيس أوباما ورؤية ماكريستال. فصحيفة واشنطن بوست نشرت افتتاحية في الثاني من الشهر الجاري بدأتها بطرح السؤال: هل نتج عن تدبر الرئيس المطول في مقترحات الجنرال ماكريستال أي تغيير واضح؟ وتجيب الافتتاحية بقولها نقلا عن نائب الرئيس جو بايدن وبعض مساعدي الرئيس أنه أجرى تعديلات واسعة ودقيقة على توصيات الجنرال ماكريستال وأعاد صياغتها لأنها كانت حسب تعبير نائب الرئيس ''مبالغ فيها ومكلفة للغاية''. بيد أن من يقرأ توصيات الجنرال ماكريستال الأولية يكتشف أن إدعاءات بايدن هي المبالغ فيها. إذ أن كلا من الرئيس أوباما والجنرال ماكريستال يؤيدان نفس الأهداف لعكس تقدم طالبان وإتاحة المجال للحكومة الأفغانية لتأكيد ذاتها بينما تدرب القوات الأمريكية الجيش الأفغاني لتولي مهمة القتال.
غير أن الرئيس أوباما غير بالفعل توصيات الجنرال ماكريستال بأربع وسائل هامة، وهي تسريع معدل وصول القوات الإضافية إذ ستصل التعزيزات في غضون 6 بدلا من 16 شهر، ومن ثم يصبح التصعيد حقيقيا ويزيد فرص النجاح. كما قرر الرئيس أوباما الاعتماد على حلفاء الناتو في تقديم من 5 إلى 7 آلاف من القوات الإضافية، والاستعانة بخمسة آلاف جندي أفغاني كمدربين؛ وهذا ما ساعد الرئيس في تقليل عدد القوات الإضافية المطلوبة من 40 ألف إلى 30 ألفا فقط. ثم تنتقل الافتتاحية إلى نقطة اختلاف أخرى وهي أن الجنرال ماكريستال أراد زيادة الجيش الأفغاني إلى 240 ألف في غضون الأعوام القليلة القادمة، غير أن الرئيس أوباما وضع هدفا محدودا وهو زيادته إلى 130 ألفا فقط بنهاية العام القادم، لاسيما وأن زيادة الجيش الأفغاني بشكل مبالغ فيه ستواجه بعض العقبات. ومن بين تلك العقبات العثور على العدد الكافي من الجنود المتعلمين، ووجود الحكومة القوية القادرة على إدارة الجيش، وتوافر التمويل الأجنبي المستمر. أما نقطة الاختلاف الأخيرة والأكثر وضوحا، فهي تحديد شهر تموز كبداية للانسحاب الأمريكي، مما سيختبر نظرية الديمقراطيين المفضلة، وهي أهمية وضع المواعيد النهائية في إجبار القادة السياسيين الذين تدعمهم القوات الأمريكية على العمل. غير أن التحدي يكمن في أن المواعيد النهائية قد تدفع هؤلاء الحكام وأعداءهم إلى التركيز على الاستعداد لما بعد رحيل القوات الأمريكية.
مجلة التايم الأميركية في عددها الأخير، تناولت موقف إيران. وقد أعد بوبي غوش تقريرا نشرته مجلة تايم حمل عنوان ''هل ستدعم إيران أم ستقوض إستراتيجية أوباما في أفغانستان؟''، أشار فيه إلى أن الرئيس أوباما ذكر باكستان 25 مرة خلال خطابه الذي ألقاه من ويست بوينت مساء الثلاثاء، مؤكدا على أن إستراتيجية الحرب في أفغانستان لن تكلل بالنجاح دون مساعدة باكستانية. ولكنه لم يشر على الإطلاق إلى إيران، التي لعبت دورا حيويا في دعم مساعي بعثة قوات التحالف للإطاحة بطالبان عام 2001، أبان الغزو الأمريكي لأفغانستان. فهل يمكن لإستراتيجية أوباما أن تكلل بالنجاح دعون تعاون طهران؟
ويبدو أن هذا السؤال موضع جدل، إذ أن إيران ليست تواقة حاليا لمد يد العون، فبعد اللهجة التصالحية التي اتخذتها حكومة أحمدي نجاد خلال الخريف الماضي، يبدو أنها عادت مرة أخرى إلى موقفها المتعنت بشأن البرنامج النووي الإيراني. ويشير التقرير إلى أن عداء إيران تجاه الولايات المتحدة الأمريكية قد تعمق في أعقاب ظهور نتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية المتنازع عليها، والاضطرابات التي عصفت بشوارع إيران لإعادة انتخاب أحمدي نجاد لفترة رئاسية ثانية. لكن التقرير يتطرق إلى أن إيران نجحت في الماضي في تنحية عدائها للولايات المتحدة جانبا، لتتعاون معها بهدوء للإطاحة بحركة طالبان في أفغانستان، وإقامة حكومة جديدة هناك.
ولكن العلاقات الإيرانية الأمريكية توترت مرة أخرى مع رفض الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش خلق علاقات أوسع مع إيران، وضمه إيران في خطابه إلى دول ''محور الشر''. ويستطرد التقرير مشيرا إلى أن الخبراء يقولون إن لكل من طهران وواشنطن مصالح مشتركة في أفغانستان. فليس لإيران مصلحة في أن تعم الفوضى مرة أخرى الأراضي المتاخمة لحدودها الشرقية، لأن ذلك قد يفضي في نهاية الأمر إلى تدفق اللاجئين إلى أراضيها. كما أنها كدولة شيعية لا تريد عودة السلطة في تلك البلاد إلى يد سنة متشددين. كما أن إيران تشاطر الولايات المتحدة رغبتها في الحد من تجارة المواد المخدرة في أفغانستان، للحيلولة دون دخول تلك السموم إلى أراضيها.
الواشنطن بوست، في عددها الصادر يوم الأربعاء المنصرم تناولت الموقف في باكستان. وبهذا الشأن أعدت باميلا كونستابل وجوشوا بارتلو تقريرا بعنوان ''باكستان تعرب عن مخاوفها من خطة أوباما الجديدة لأفغانستان''، قالا فيه إن إستراتيجية الرئيس أوباما الجديدة لأفغانستان قوبلت بنوع من التشكك في باكستان المجاورة، رغم تأكيد الرئيس أوباما على أن باكستان هي ''مركز الإستراتيجية الجديدة'' لما تواجهه من مخاطر أكثر من أفغانستان.
ويوضح التقرير أن المحللين والمقيمين على طرفي الحدود بين الدولتين أعربوا عن مخاوفهم من خطة الرئيس أوباما لإرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان ضمن محاولة تدريب الجيش الأفغاني سريعا حتى يتسنى للقوات الأمريكية الانسحاب بداية من يوليو 2011. في الوقت نفسه، أعرب المسؤولون الباكستانيون عن مخاوفهم الخاصة بشأن دورهم في تلك الإستراتيجية، والتي تطالب باكستان بزيادة التعاون في الحرب ضد الإرهاب مقابل التعهد الأمريكي بشراكة طويلة الأمد بعد انتهاء القتال. ففي تصريح حذر، قال وزير الخارجية الباكستاني إن حكومته ترحب بتأكيد الرئيس أوباما على الشراكة وتؤكد ضرورة توضيح السياسة الأمريكية الجديدة.
ويوضح التقرير أن الشراكة مع باكستان ضرورية لضمان نجاح الولايات المتحدة في المنطقة التي لا تزال تمثل خطرا على الأمن الأمريكي. إذ يختبئ المسلحون الإسلاميون منذ سنوات في المناطق القبلية على الحدود بين باكستان وأفغانستان، ولم تحرك الحكومات الباكستانية السابقة ساكنا لمواجهة هؤلاء المسلحين طالما كانت أهدافهم خارج حدود باكستان.
ويوضح التقرير أن إستراتيجية أوباما الجديدة تضع الباكستانيين أمام مشكلتين أساسيتين، أولهما الخوف من أن يفضي التصعيد العسكري في أفغانستان إلى نزوح المقاتلين الأفغان إلى باكستان، مما يزيد الوضع اشتعالا في دولة واجهت مؤخرا تيارا متزايدا من الهجمات والتفجيرات الإرهابية. ويضيف التقرير أن حكومة باكستان تعرضت أيضا لضغوط سياسية متعارضة. فبينما تريد الولايات المتحدة من باكستان القضاء على معاقل القاعدة على أرضها، يركز مسؤولو الأمن على حملة عسكرية تستهدف مقاتلي طالبان الباكستانية الذين ينفذون العمليات الإرهابية الداخلية. لذا يدعو المحللون السياسيون إلى إتحاد القادة المدنيين والعسكريين على رأي واحد، وأخذ المصالح المشتركة بعيدة المدى في الاعتبار أثناء تعقب الجماعات المسلحة. للباكستانيين شكوك كثيرة حيال سياسة واشنطن، فبالرغم المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى باكستان، لا يزال الشك يساور العديد من الباكستانيين في صدق الدوافع الأمريكية، لاسيما بسبب العلاقة القوية بين أمريكا والهند، أهم منافسي باكستان.
وفي السياق ذاته طالب البعض نقل الحرب إلى باكستان. كتب سيث جونز، مؤلف كتاب ''في مقبرة الإمبراطوريات: حرب الولايات المتحدة في أفغانستان'' والمستشار المدني للجيش الأمريكي، مقالا نشرته صحيفة نيويورك تايمز في الرابع من الشهر الجاري تحت عنوان ''انقلوا الحرب إلى باكستان''، قال فيه إن قرار الرئيس أوباما بشأن وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية ذكر جميع المسؤولين ذوي العلاقة بالحرب الأفغانية بأن الوقت لا يصب في صالح أفغانستان. وهو الأمر الذي لطالما أدركته حركة طالبان ودفع المقاتلين المحتجزين إلى تذكير المحققين بأن ''لديكم جداول زمنية محددة، ولدينا نحن الوقت''. لكن المسألة الأكثر إلحاحا وصعوبة على ما يبدو تقع خارج نطاق سيطرة الجنرال ماكريستال إلى حد كبير ألا وهي تقويض ملاذ حركة طالبان في باكستان.
في المحصلة النهائية، يمكن القول أن المخاض الشاق أفضى إلى استجابة الحكومة الأميركية لطلب الجنرال ستانلي ماكريستال بشأن زيادة عدد القوات في أفغانستان لتأمين النصر كما عرفه الرئيس أوباما في خطابه في كلية ويست بوينت. مرة أخرى وكما حدث في العراق، تنتصر فكرة وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية كعامل ضغط على المسؤولين في أفغانستان حتى ينتبهوا أن الدعم الأميركي ليس أمر مسلم به لفترة طويلة ما يعني أن عليهم تحمل مسؤولياتهم التاريخية في بناء بلدهم كما يجب.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF