خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

للتنافس ضروراته وايجابياته

للتنافس ضروراته وايجابياته

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

إبراهيم كشت - نقول عن الشيء أنه (نفيسٌ) إذا كان ذا قيمة، وكان مرغوباً فيه، والتنافس هو تسابقٌ بين طرفين أو أكثر، يحاول فيه كل طرف أن ينال ذلك (النفيس) قبل الآخر، وتقول المعاجم في مدلول التنافس و المنافسة : تنافَسَ القوم في كذا أي تسابقوا فيه و تباروا، دون أن يلحق بعضهم الضرر ببعض.
ورغم أن بعض المراجع في علم الإجتماع تصنِّفُ التنافس كنمط مستقل من العلاقات، يختلف عن الصراع، غير أني أعتقد أنه ليس بمقدورنا أن ننكر أنه (أي التنافس) من حيث منطلقاته النفسية وبواعثه وبعض خصائصه، لا يعدو أن يكون نوعاً من الصراع، لكنه صراعٌ تم تهذيبهُ و تأديبهُ و تشذيبهُ، وأُضيفتْ اليه عناصر أخرى من الحياة، جعلته يتمايز عن التنازع والخصومة والإقتتال والتعارك والتحارب والتصادم، بكل ما في هذه المعاني من سوء وشر . فكأنما التنافس أحد أوجه التعبير الراقي عن العدوان و الصراع، وقد قيل إن أكثر ما يميّز أية حضارة أو مدنية، هو الطريقة التي يعبر بها أفرادها عن غريزة العدوان .
ولعل أهم ما يجعل التنافس يختلف عن الأنماط الأخرى من الصراعات، هو وجود أحكام و ضوابط و قواعد تحكم العلاقة بين طرفي التنافس، بينما تغيب مثل هذه الضوابط و الأحكام إلى حد بعيد عن علاقات الصراع الأخرى، ففي الصراع يسعى كل طرف لبلوغ هدفه و لو بتدمير الطرف الآخر وإبادته، وينتهج في صراعه ذاك كل الوسائل . أما التنافس فيقتضي عدم اللجوء لوسائل غير مشروعة، وعدم إلحاق الضرر بالخصم، والتقيد بالشروط والأحكام التي قد تكون محددة ومكتوبة، كما هو حال التنافس في الألعاب الرياضية، بل قد تكون بشكل قانون في الدولة يسري على الكافة، كما في (قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية لسنة 2000) و(قانون المنافسة لسنة 2004) اللذين يحكمان جوانب من الأعمال التجارية، أو كما في القوانين التي تحكم انتخابات مجلس النواب، أو المجالس البلدية، أو مجالس النقابات، أو تحكم التقدم لوظائف معينة، أو سوى ذلك، أو قد تكون تلك الأحكام مما هو مستقر و متعارف عليه، كما هو حال التنافس بين الطلبة المتفوقين في الصف المدرسي للحصول على المركز الأول أو المراكز المتقدمة، أو كما هو حال التنافس في المسابقات العلمية والثقافية .
ويغلب أن تكون الأهداف التي يسعى إليها أطراف التنافس خيّرة وإيجابية وذات نفع، أو على الأقل فإنها تكون مشروعة، أما في الصراع فقد تكون الأهداف شريرة، كنزع ملكية الآخر أو السيطرة عليه أو ما إلى ذلك، وبعد هذا وذاك، فإن في التنافس عادةً حد أدنى من الإتفاق بين طرفيه، و هذا ما لا يكون في حالة الصراع، فالمتنافسان يتفقان ولو بشكل ضمني على مراعاة قواعد و أصول التنافس، بما يضمن عدم إلحاق أحدهما الأذى بالآخر قدر الإمكان .
في علم الحياة و العلوم البيئية يقال إن الصراع علاقة حياتية طبيعية بين الأفراد ذوي الإحتياجات المعيشية المتماثلة، والصراع بين أفراد النوع الواحد من الآليات المهمة في حدوث الإنتقاء الطبيعي بحسب مفهوم نظرية داروين . وفي ضوء ذلك أعتقد أن التنافس كنمط راقٍ مع أنماط الصراع يؤدي دوره في تمييز الغثِّ من السمين، وإتاحة الفرصة والمجال للأفضل والأنفع لأن يُظهِرَ تميّزهُ ويترجمه إلى حقيقة في الواقع . ومما تجدر ملاحظته أن بعض المناهج الإقتصادية والإجتماعية التي حاولت إغفال أهمية التنافس واعتقدت أن الحاجة إليه تنتفي إذا تساوت مستويات المعيشة، قد فشلت وانهارت عند التطبيق، بينما ثبت أن المناهج الأخرى التي أخذت بمبدأ التنافس هي التي تقدمت وتفوقت، وإن كانت تتعرض أحياناً لمشكلات وأزمات، فإن ذلك ينتج غالباً عن عدم التقيد بأصول التنافس وأحكامه .
ويرى البعض أن علاقة التنافس يجب ألاّ تُشجَّعَ ولا تعززَ، والأَولى أن تتجه العلاقات دائماً إلى التعاون، لأن في علاقات التنافس غالباً طرف خاسر وآخر رابح، بما يسببه ذلك من آثار نفسية سلبية لدى الطرف الخاسر، كما أن التنافس كثيراً ما يخرج عن قواعده و أصوله و ينقلب إلى صراع واضح و ربما سافر . ورغم ذلك، أعتقد أن التنافس يبقى ضرورة، ويبقى ذا فوائد كبيرة، فهو يستخرج من النفوس أفضل ما فيها من طاقات وقدرات، و يحفز المرء على بذل الجهد و الوقت الموجَّهين نحو هدف، ويدفع إلى التعلم واكتساب المهارات والتنبه والتركيز، وكل ذلك ينعكس غالباً بالنفع و الفائدة على المجتمع، مثلما ينعكس التنافس بين التجار على شكل إنخفاض الأسعار، وتحسين في المنتجات، وجودة في وسائل تقديم الخدمة . وهو (أعني التنافس) لا يكون بين الأفراد وحسب، فمن الممكن أن يكون بين الفرق أو الجماعات أو الفئات التي يمكن أن يتعاون أفرادها فيما بينهم، ويكون توجههم جميعاً منصبّاً نحو إنجاح الفريق، مما يؤدي إلى مزيد من التعاون وإنكار الذات ؛ لأجل تحقيق أهداف المجموع .
وخلاصة القول هي إن التنافس مسألة تتلاءم مع طبيعة ما بُنيَ عليه الوجود، و قامت عليه حياة الكائنات، ومحاولة إلغائه عبث لا يجدي ولا يدوم، فالتنافس يواتي غرائز الإنسان وفطرته، حتى أن معظم ألعاب التسلية التي يخترعها البشر تقوم على أساس المنافسة بين طرفين أو عدة أطراف، فكأنما تُفرِغُ هذه التسلية من خلال التنافس حاجاتٍ طبيعيةً لدى الفرد، فتبعث لديه الفرح و السرور . ثم أن التنافس يكون في سبل إيجابية وخيّرة، وله أصوله التي تحكمه، ومن المهم أن نتعلم هذه الأصول، ونتدرب على الروح الرياضية في تقبل التنافس ونتائجه، لأنه يبعث على الكثير من الثمرات الإيجابية في مجالات التعليم والعمل والإنتاج والإبداع، والرياضة والفن والسياسة والأعمال التطوعية (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) .

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF