في غمرة الأنباء عن المنشآت النووية الايرانية، فقد نشرت الصحف يوم امس خبرا يتعلق بالكشف عن «خطط فرنسية لتطوير مفاعل نووي من الجيل الرابع» ويترك المرء للمختصين شرح ما يعنيه الجيل الثالث قبل السؤال عن الجيل الرابع، غير انه من الواضح ان الأمر يتعلق بتعظيم القدرات النووية لجميع الاغراض بما فيها غير السلمية .وفرنسا ليست وحدها التي تسهر على تطوير قدراتها في هذا المجال، فالدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن تتمتع بهذا «الحق»، وهي التي اعطت «نفسها» هذا الامتياز على بقية دول العالم . غير انها تتفق ما بينها على عدم تقديم أي دعم لبرامج نووية لدول اخرى، وذك من اجل الحد من التسابق على التسلح .وذلك جيد شريطة تطبيقه، والأفضل منه تخفيض القدرات النووية للكبار، بامل الوصول ذات يوم بعيد، الى عالم خال من هذه الاسلحة الفتاكة. غير ان المرء يعرف ان دولا اخرى ما كان لها ان تتمتع ببرامج ومنشآت نووية، لولا دعم من هذه الدول الكبرى او تلك، ينطبق ذلك على المف النووي الهندي والباكستاني كما على الاسرائيلي .
ومن المعلوم ان فرنسا هي التي رعت في اواسط خمسينيات القرن الماضي انشاء المفاعلات النووية في ديمونا، وفي ظروف التحضير للعدوان الثلاثي على مصر، وإن لم يكن من المعلوم ما هي درجة التعاون الاسرائيلي الفرنسي اللاحق في هذا المجال. كما قدمت دول اخرى بينها روسيا واميركا دعما للبرامج الهندية والباكستانية. ومعنى ذلك انه قد تم منذ امد بعيد ، خرق قاعدة الامتناع عن المساهمة في نشر الاسلحة النووية في العالم، خلافا للمزاعم الحاليةعن الحرص على الحد من انتشار هذه الاسلحة، فالأمر يتعلق بتسابق على النفوذ هنا وهناك، واقامة توازنات استراتيجية بين الكتل الكبرى، بصرف النظر عن المبادىء المعلنة .
وليس مطلوبا بطبيعة الحال توسيع الخرق، واستغلال هذه الفوضى المنظمة، لتمكين مزيد من الدول من امتلاك هذه الاسلحة المدمرة،الا انه من المطلوب في الوقت ذاته، مراجعة الوضع القائم من طرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن قبل الدول الكبرى وكذلك الامم المتحدة، لتصحيح الخلل الناشىء وعدم اعتبار تسلح بعض الدول كأمر واقع وحق مكتسب، وتوجيه كل الانظار نحو دولة بعينها دون سواها وهي ايران هذه الأيام. علما بان طهران تساعد من جهتها على توجيه الضغوط اليها، عبر اطلاق الخطابات النارية بمناسبة ودون مناسبة، والتلويح بمختلف اشكال التصعيد، وكانها تومىء بذلك بأنها ليست في وارد الميل الى الاعتدال، على أي صعيد، بما في ذلك الصعيد النووي ! ويبدو ان هذه هي الطريقة المفضلة للمتشددين في طهران لجني المكاسب وتحقيق الأهداف . دون ان يغطي ذلك على الخلل في المواقف الغربية، تجاه طهران، فالأصل ان يتم العمل على اخلاء المنطقة من هذه المنشآت، وأن يتم التمسك بهذه القاعدة، في التعامل مع الملف الايراني ومع أي ملف آخر جنبا الى جنب، ومن الواضح انه ليست هناك ارادة سياسية، لتغليب هذا المنطق او حتى الأخذ به من حيث المبدأ، وهو ما سيقود الى جملة توترات في هذا العام، تضاف الى التوتر في العراق وبين لبنان وسوريا، ثم التوتر الدائم الاسرائيلي الفلسطيني، الذي يعتبر من بركات شارون الذاهب في غيبوبته العميقة .