اذا كان يستحيل عملياً الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية فإن مبدأ التعاون هو المبدأ المطبق في اغلب الدول ذات الانظمة الليبرالية وهو الحل من الناحية العملية وهناك محاسن كثيرة من اهمها تبادل الرأي والمشاركة في اتخاذ القرارات ومراقبة اداء كل سلطة لاعمال السلطة الاخرى. وهذا له دور كبير من الناحية العملية لتحقيق التوازن بين السلطات.
- فما هو مضمون مبدأ التعاون بين السلط وما مدولوه وهذا ما يتضح كما يلي:
اولاً: مضمون مبدأ تعاون السلط.
ينتج عن تعاون السلطات مع بعضها البعض دعم العلاقات بينهما مما يحقق استقراراً سياسياً في حسن تسيير شؤون الدولة فإذا كان مبدأ فصل السلط يأخذ باستقلال كل سلطة عن الاخرى وعدم التكامل والتنسيق احياناً فإن هذا المبدأ يرتكز على التعاون والمشاركة الفعالة فيمكن مثلاً للحكومة ان تشارك في الاجراءات التشريعية وذلك بالاعلان عن تطبيقها للقوانين كما في وسعها ان تشارك في الوظيفة القضائية عندما تقرر حق العفو العام.
كما ان التعاون تتجلى مظاهره عندما يجمع الحاكم بين وظيفة الوزير ووظيفة النائب وهذا ما نلاحظه في النظام النيابي البريطاني.
وعلى كل حال فإن مبدأ التعاون بين السلط يمنح لكل سلطة وسائل تدخل اتجاه السلطة الاخرى ويحد من استقلال احداهما عن الاخرى وهذا ما ستلمسه من خلال مدلول هذا المبدأ.
ثانياً: مدلول مبدأ تعاون السلط
من مظاهر التعاون بين السلطات في النظام البرلماني مسؤولية الوزراء امام البرلمان والمسؤولية قد تكون فردية بالنسبة لوزير معين او جماعية بالنسبة للوزارة كلها وذلك استناداً لاحكام المادة 51 من الدستور (رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون امام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة كما ان كل وزير مسؤول امام مجلس النواب عن اعمال وزارته) وكما يجوز للبرلمان اسقاط الوزراء وذلك بسحب الثقة منها يقابلها حق رئيس الحكومة استناداً لاحكام الدستور حل البرلمان وفقاً لاجراءات معينة وكذلك فإن من مهمة الحكومة او السلطة التنفيذية العمل على استقرار المعاملات وتنمية الموارد البشرية والاقتصادية ورفع مستوى المعيشة وعدالة التوزيع بين جميع افراد المجتمع، وبالتالي فإن التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يتجلى في التوازن الوثيق بينهما ويتحقق هذا بأسلوبين:
المسؤولية السياسية وحق الحل ونعالج ذلك كما يلي:
1- المسؤولية السياسية:
ان المسؤولية السياسية للحكومة واسعة الحدود وهي تستهدف الاخطاء السياسية التي يمكن ارتكابها سواء في الاقدام على العمل او في الامتناع عنه او في اتخاذ اي وضع ولو في اطار القانون لا يلائم المصلحة العامة او لا يتفق مع رغبات مجلس النواب وذلك من خلال الاداء السياسي العام ويتلخص ذلك في المظاهر التالية: تنصيب الحكومة ورفع ملتمس الرقابة وسحب الثقة.
* المظهر الاول - تنصيب الحكومة
ان المسؤولية السياسية تنضح عندما يستمد الجهاز الحكومي سلطة من البرلمان سواء كان تعيين اعضائه ناتجاً عنه او منفصلا عنه كتعيين الحكومة من قبل رئيس السلطة التنفيذية ويرى بعض فقهاء القانون ان هذا التعيين لا يأخذ قوته القانونية الا اذا اكتمل بالتنصيب من طرف البرلمان ولهذا تقدم الحكومة برنامجها السياسي العازمة تطبيقه طيلة الفترة الرئاسية على البرلمان للمصادقة عليه فيجيب اعضاء البرلمان عن طريق التصويت اما بالقول او بالرفض اي بمنح الثقة او حجبها.
ففي حالة الحجب او الرفض فإنه على الحكومة الاستقالة لانها فقدت ثقة مجلس النواب بالنسبة للسياسة التي تريد نهجها وهذا المظهر واضح وجلي في النظام الدستوري الاردني.
* المظهر الثاني - رفع ملتمس الرقابة.
رفع ملتمس الرقابة تعبير قانوني يتضح مفهومه عندما تأتي مبادرة من طرف عدد معين من اعضاء البرلمان نتيجة لعدم موافقتهم على اعمال الحكومة فتقدم وثيقة موقع عليها مجموعة محددة من النواب يطالبون بالاستقالة الجماعية للحكومة بعد التصويت عليها من طرف الاغلبية المطلقة للمجلس.
وهذا ما هو حاصل في موضوع استقالة الحكومة وهو ملتمس ومبدأ دستوري معمول به اغلب الدساتير ذات الصبغة الديمقراطية. وعليه فقد نصت المادة 54/1 من الدستور الاردني (تعقد جلسة الثقة بالوزارة او بأي وزير منها اما بناء على طلب رئيس الوزراء واما بناء على طلب موقع من عدد لا يقل عن عشرة اعضاء من مجلس النواب).
* المظهر الثالث - سحب الثقة:
تأتي مبادرة سحب الثقة من الحكومة التي تهدف من هذا تدعيم سلطتها والاستمرار في سياستها فينتج عن هذه المبادرة الحكومية تصويتاً ايجابياً او سلبياً تستقبل به الحكومة نظراً لسحب ثقة البرلمان منها وفي كل الاحوال لا يمكن سحب الثقة من الحكومة الا بالاغلبية المطلقة للاعضاء الذين يتألف متهم مجلس النواب. وبنفس الوقت فان موضوع سحب الثقة موضوع مقيد في اطار النظام النيابي.
2- حق حل البرلمان:
يمارس هذا الحق من طرف رئيس الدولة قبل انتهاء المدة القانونية لولاية البرلمان على ان يتبع ذلك انتخاب مجلس نواب جديد وهذا سلاح قوي تواجه به الحكومة سير البرلمان خاصة اذا رأت ان اعمال المجلس قد تتعارض من وجهة نظرها مع المصلحة العامة. وفي المملكة الاردنية الهاشمية نجد ان الدستور الاردني قد اوجب في الفقرة الثانية من المادة (73) على انه اذا حل مجلس النواب فيجب اجراء انتخاب عامة بحيث يجتمع المجلس الجديد في دورة غير عادية بعد تاريخ الحل باربعة اشهر على الاكثر وتعتبر هذه الدورة كالدورة العادية وفق احكام المادة (78) من الدستور وتشملها شروط التمديد والتأجيل .
وعموماً فإن مبدأ تعاون السلط هو مبدأ معمول به في ظل الانظمة مع البرلمان وكثير من الحكومات استحدثت منصب وزير للاتصال مع البرلمان او ما يطلق عليه عندنا وزير الشؤون البرلمانية ومن مهماته ادارة الحوار والاتصال مع البرلمان والتعاون ما بين السلطتين التنفيذية و التشريعية وتنسيق المواقف لما فيه المصلحة الوطنية العليا التي هي دائماً فوق كل اعتبار بعيداً عن الشخصنة وكما قال جلالة الملك يجب ان نحاسب الاشخاص على اساس ادائهم وعملهم وانجازاتهم وليس باشخاصهم.
* محام واستاذ القانون في جامعة عمان الاهلية