كنت في زيارة لكندا عام 2015، حين اتصل بي المرحوم رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز الطراونة، ليسألني أين أنت؟ فأجبت، فقال عندما تعود تتصل وتأتي الى مكتبي.
عدت واتصلت، فقال كتابك عن المقامات والأضرحة والمساجد القديمة في الأردن الذي أهديته لجلالة الملك وصل، ولذا سأحدد لك يوما تقدمه له بنفسك، وبالفعل، زرته وأدخلني الى مكتب جلالته، وأهديته كتابي، وتحدثت عن الكتاب بين يديه بحضور الدكتور فايز الطراونة رحمه الله.
كان سؤال جلالته هل يعلم الطلاب في المدارس والجامعات أن لدينا كل هذا العدد من المقامات والاضرحة، فاحترت بالإجابة، ونظرت الى الدكتور الطراونة، وقل «لا يا سيدي لا يعرفون» حتى أنا لم أكن أعرف قبل أن قمت بمسح واسع عبر أراضي المملكة للمعرفة»، فقال ما السبب، قلت يغيب ذلك عن مناهجنا، وإذا سمحت لي أن أقول، وصمت قال تفضل، قلت لأننا أعطينا مناهجنا لمن كتبوا لنا في الدين ولم يكتبوا لنا في التاريخ الوطني.
فنظر الى الدكتور فايز، وكأنه يريد موافقته على الكلام، فوافقني الدكتور فايز.
وبعد أن استأذنت وعدت الى مكتبي، كان اتصال بعد عدة ايام من امين عام الديون الملكي آنذاك الرجل النشيط الذي أصبح رئيساً للديون الآن وما زال أطال الله عمره، معالي السيد يوسف العيسوي، أبو حسن، الذي قال «أمر جلالة الملك برعاية كتابك عن المقامات والأضرحة، فأرسل لي كلفة ذلك من المطبعة.
وبالفعل صدر الكتاب باللغة الانجليزية، وقد ترجمه مكتب الدكتور حازم نسيبه رحمه الله،
وزودت الديوان بأعداد كثيرة منه لتوزيعها على الضيوف.
الحقيقة أن هذا الكتاب تبعه كتاب آخر عن «أم الرصاص» الواقعة على بعد 45 كم، جنوب المطار الى الغرب، والتي تحوي 18 كنيسة في مربع الموقع، وقد كتبت عنها مقالاً أسميته «فاتيكان الشرق»، واذكر أنه ترجم لاكثر من لغة، وبدأت في كتابة كتاب عن اثار أم الرصاص، واسمها العربي القديم، «ميفعة» وهي في نهاية طريق الحج المسيحي الذي يبدأ من كنيسة القيامة الى كنيسة المهد ثم الى المغطس على نهر الأردن، على الأرض الأردنية، ثم الى مأدبا، ومكاور حيث قتل يحيى المعمدان ولذلك قصة طويلة، ثم يتواصل الطريق الى أم الرصاص، وينتهي عند برج الزعفران القريب من أم الرصاص، وطول هذه الطريق التي تقدر بحوالي 63 كم، وهي تحتاج الى احياء وإقامة بنية خدماتية عليها من نزل وفنادق ومطاعم واستراحات لتبدا العمل كطريق للحج المسيحي، حيث ياتي الحجيج من كل أنحاء العالم، وهو مشروع برسم ان تفكر به وزارة السياحة التي تنشط هذه الأيام.
وكنت بعد أن زرت أم الرصاص، قد طلبت من رجل الأعمال المثقف باللاهوت الدكتور نديم المعشر أن يرعى لي طباعة كتابي عن ام الرصاص الذي استعنت فيه بالدكتور محمد هديب، استاذ الآثار بالجامعة الهاشمية، والذي سخر طلابه للمساعدة، وهم باحثون على مستوى الدكتوارة، وذلك لقراءة بعض النقوش التي تعلو الآثار، وخاصة الفسيسفاء الأرضية العظيمة، التي رسمت عليها كنائس منطقة الشرق الأوسط كلها، بما في ذلك كنائس غزة وفلسطين وبلاد الشام ومصر، وهو عمل عظيم قامت به بعثة طليانية وأخرى أميركية بالتعاون مع دائرة الآثار الأردنية، واليوم يغطي هذا الكشف العظيم،للمحافظة عليه بهنجر كبير من المعدن عليه مصطبة زجاجية مرتفعة، يمشي عليها الزائرون للنظر تحت اقدامهم، فيرون الفسيفساء، دون ان يدوسوا عليها، فالمصطبة معلقة، وقد صدر الكتاب يحمل اسم «أم الرصاص... قصة الراهب والنبي» والقصة ماخوذة من كتاب الكامل لإبن الأثير، ويميز أم الرصاص البرج الذي ما زال قائما منذ أكثر من الفي سنة ويحتاج الى عناية واهتمام، وقد شكلت لجنة خاصة لحماية تراث أم الرصاص، فيها ابن المنطقة الوزير الأسبق، سلامة حماد، الذي سعى لدعم حماية المنطقة من خلال وزارة الداخلية، فكانت البوابة ومركز الزوار.
ما أريد قوله أن السلسلة التي أعمل علها تحت اسم «في هوية المكان» صدرت في أكثر من عشرين كتاباً عن مدن الاردن وفلسطين، وقد انجزت ووزعت لتربط بين الانسان والمكان بين الوطن والمواطن، وهذا ثمرته «المواطنة» التي تسعى اليها الأوطان المستقلة دائما.
