لقد دأب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على القول أثناء حملته الانتخابية إنّ الحرب الروسية الأوكرانية لم تكن لتنشب لو أنه كان رئيساً، كما أشار إلى أنه سيُوقف الحرب بمجرد أن يتم تنصيبه رئيساً، والآن وقد مرّ ما يقارب الأربعة أشهر، فإنّ من الواضح أنّ المسألة ليست بهذه البساطة، وبأنّ الموضوع أكثر تعقيداً مما كان يظن ترامب، ولعلّ العقدة الرئيسية في الموضوع الروسي الأوكراني هو التضارب الواضح بين أهداف الطرفين، فما هي هذه الأهداف يا تُرى؟
أولاً: فيما يتعلق بالطرف الروسي:
من المعروف أن روسيا بدأت الحرب، كي تحُول دون انضمام أوكرانيا إلى حلف «الناتو» (ثلاثون دولة بزعامة الولايات المتحدة)، لأنّ انضمام أوكرانيا إلى هذا الحلف يعني ببساطة أنّ قوات الناتو سوف تصبح على بعد (250) كيلومتراً من مدينة «سانت بطرسبرغ عاصمة الإمبراطورية الروسية العريقة'!، كما قامت أيضاً لإغاثة المواطنين الأوكرانيين الذين يعودون إلى أصول روسية والناطقين باللغة الروسية في شرق أوكرانيا، ناهيك عن تثبيت سيطرة روسيا (تمت في عام 2014) على شبه جزيرة القرم (حاملة الطائرات غير القابلة للغرق)، وغني عن القول إنّ شبه الجزيرة هذه هي روسية في الأصل، وهي مقر دائم للأسطول الروسي في البحر الأسود، وأنها اُتبعت لأوكرانيا في عام 1954 بقرار من الرئيس السوفيتي نيكيتا خروتشوف لأسباب إدارية وتنظيمية عندما كانت أوكرانيا جزءاً من الاتحاد السوفيتي (1917 – 1991).
ثانياً: فيما يتعلق بالطرف الأوكراني:
من الواضح أنّ أوكرانيا كانت تسعى في البداية (ومنذ إسقاط الرئيس يانوكوفيتش في عام 2014) إلى الالتحاق بأوروبا من خلال الانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
أمّا بعد هذا التاريخ، فقد أخذت تسعى لاستعادة الأراضي التي فقدتها في شرق أوكرانيا (مقاطعات لوغانسك، دونيتسك، زاباروجيا، خيرسون التي ضمتها روسيا رسمياً إليها وهي مع شبه جزيرة القرم تشكل 20% من الأراضي الأوكرانية).
إنّ من الواضح أن الأهداف الروسية والأوكرانية مختلفة إلى درجة التناقض ولعلّ كل منهما يعتبر أنّ أهدافه حسّاسة بالنسبة إليه فهل يُعقل أن تتنازل روسيا مثلاً عن «شبه جزيرة القرم» مقر الأسطول الروسي القوي في البحر الأسود؟ وهل يُعقل أن تتنازل أوكرانيا عن سيادتها على أراضيها، وبالذات في شرق أوكرانيا؟
من هنا تأتي المقاربة التي يبدو أن الرئيس ترامب ينوي التقدم بها، والتي تقرأ الواقع القائم انطلاقاً من أنّ السياسة هي «فن الممكن»، ولعلّ هذه المقاربة المحتملة–والتي ستأخذ وقتاً بالطبع ومفاوضات مضنية بين الطرفين بمشاركة الإدارة الأمريكية- تقوم على ما يلي:
أولاً: إعلان أوكرانيا بأنها لن تنضم إلى حلف الناتو، لا حاضراً ولا مستقبلاً، مع احترام حقها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ثانياً: عدم مطالبة أوكرانيا بشبه جزيرة القرم ويمكن أن يُوضع ذلك في صيغة مُعيّنة لا تشير صراحة إلى تنازل أوكرانيا عن شبه الجزيرة.
ثالثاً: توفير حكم ذاتي موسع للمقاطعات الأربع التي ضمتها روسيا في شرق أوكرانيا، الأمر الذي يعني حكماً تنازل روسيا عن الضم، وقبول أوكرانيا بتوسيع مظلة الحكم الذاتي لهذه المقاطعات.
ومن الجدير بالذكر أنّ أوروبا التي تقف بقوة إلى جانب أوكرانيا، لن تكون سعيدة بهذه المقاربة، ولكنها سوف تقبل بها في النهاية وذلك اعتماداً على الواقع «الجيوسياسي» المستجد في ساحة الصراع ولعلّ أهم ما فيه:
أولاً: رغبة الولايات المتحدة في حلّ النزاع، وعدم استعدادها لتقديم المزيد من الدعم إلى أوكرانيا وبخاصة أنها سوف تسترد ما دفعته إلى أوكرانيا من خلال اتفاقية «المعادن النادرة» التي وقعتها مع أوكرانيا.
ثانياً: عدم قدرة أوروبا على مساعدة أوكرانيا بنفس الزخم (العسكري والمالي) الذي تستطيعه الولايات المتحدة والذي يمكن أن يُحْدث فرقاً في توازن القوى.
ثالثاً: عدم قدرة أوكرانيا على تغيير موازين القوى الحالية حيث تواجه دولة نووية عظمى (تملك روسيا أكثر من 6000 رأس نووي استراتيجي) وقادرة على الإنتاج والتزويد بالأسلحة التقليدية لقواتها المسلحة، عكس أوكرانيا التي تعتمد اعتماداً شبه كلي على المساعدات الغربية بكافة أشكالها.
رابعاً: عجز الهيئات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة عن عمل شيء لصالح أوكرانيا، لكون روسيا دولة تملك حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، وتتحالف استراتيجياً مع الصين وهي ثاني اقتصاد في العالم، فضلاً عن قوتها العسكرية المُعتبرة.
قد يكون ترامب محقاً فيما قاله حول النزاع الروسي الأوكراني أثناء حملته الانتخابية فمن المعروف أنّ الحملات الانتخابية تشهد كثيراً من الوعود والادعاءَات، ولكن قدرته الفورية على حلحلة هذا النزاع المعقد أصبحت موضع شك بالتأكيد ليس لافتقاره للمهارات الدبلوماسية ولعناصر التأثير ولكن بسبب تعقد الوضع فعلياً بين روسيا وأوكرانيا لأسباب عسكرية وسياسية وثقافية وتاريخية، ولكن الأمل يظل قائماً في أن يتبنى ترامب المقاربة المعقولة المنتظرة منه، والمأمول أن تجد طريقها إلى القبول ولو بعد حين!
لماذا يتعثّر ترامب في وساطته بين روسيا وأوكرانيا؟!
11:53 25-5-2025
آخر تعديل :
الأحد