بكل تأكيد، فإن الحراك الأوروبي حيال حرب الإبادة على قطاع غزة مهم وإيجابي، وكما يقال: أن تصل متأخرًا خير من ألا تصل أبدًا، ولكن الأهم: بأي أثر يكون هذا الوصول؟
المرجو ألا تخفت أو تتراجع هذه الاستفاقة الأوروبية، التي تقودها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا، وتتفاعل معها العديد من الدول الأوروبية ودول العالم. والأمل أيضًا ألا يتوقف التحرك الأوروبي النشط عند حدود المواقف المنددة بحرب الإبادة على غزة وأبناء الشعب الفلسطيني، وتدمير القطاع
بالكامل.
الأنظار في المنطقة والعالم تتطلع إلى أوروبا اليوم، على أمل أن تتطور مواقفها القيمية إلى خطوات وقرارات عملية فاعلة، تملك الدول الأوروبية العديد منها. وفي حال اتخاذها، ستكون ذات أثر كبير في وقف العدوان وما خلفه من قتل ودمار، بلا أي اعتبار للقوانين والقيم والشرائع.
الدول الأوروبية القيادية، كفرنسا وبريطانيا، تملك وزنًا أساسيًا في الاتحاد الأوروبي وعلى مستوى العالم. كما أن هذه الدول التي تقود المشهد الأوروبي، تتحرك بالتزامن مع حالة رفض دولية واسعة للإبادة في غزة، والأهم هو الجدية المتزايدة في السعي لوقفها، لا سيما مع تطور الموقف الأميركي في هذا الاتجاه.
كل ما سبق من تطورات إيجابية على المستوى الدولي يشكل روافع مهمةً تدفع الدول الأوروبية والمجتمع الدولي للمضي قدمًا في اتخاذ خطوات مؤثرة، من شأنها الضغط على نتنياهو وحكومته، خصوصًا مع الآثار السلبية التي قد تطال علاقات إسرائيل مع أقرب وأهم حلفائها التقليديين.
حرب الإبادة التي لا يريد لها نتنياهو أن تتوقف، والجرائم التي ارتكبت خلالها، ضربت في الصميم القيم والقوانين الأوروبية التي تحكم علاقات الاتحاد الأوروبي مع دول العالم، وتحدد آليات تقييم هذه العلاقات أو مراجعتها كليًا أو جزئيًا مع أي دولة.
فلأوروبا جولات في اتخاذ إجراءات وعقوبات تجاه دول خرجت عن القانون الدولي، وقد فعلت ذلك في أزمات إقليمية ودولية في مراحل مختلفة.
في يد الدول الأوروبية أدوات عديدة للتأثير، خصوصًا تلك المتعلقة بالرد على الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والقانون الدولي، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وكلها ارتكبت بشكل متكرر وصارخ في غزة.
أوروبا شريك أساسي لإسرائيل، وتجمع الطرفين علاقات شاملة ومتشابكة، وهذه العلاقات حيوية جدًا لإسرائيل، ولكنها تمر هذه الأيام باختبار جدي وغير مسبوق، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. والسؤال الملح: إلى أي مدًى ستمضي الدول الأوروبية في هذا المسار؟ وما هو حجم الضغط الأوروبي المتوقع، الذي قد يحدث تغييرًا في استجابة نتنياهو وحكومته؟
من المؤكد أن نتنياهو وحكومته يدركون تمامًا الأثر القوي للضغط الأوروبي، وأثره في تعزيز الضغط الدولي، وكسر جدار الصمت الذي ساد خلال الفترة الماضية، والذي ساهم في استسهال إطالة أمد العدوان، بل وتوسيعه، والانتقال إلى ما أعلنه نتنياهو مرارًا: «تغيير المشهد في الشرق الأوسط»..
ولكن، وبكل تأكيد، فإن كسر طوق الصمت هذا، والذي يمثل التحرك الأوروبي إحدى صوره الحية، سيشكل عامل ضغط إضافيًا ومهمًا نحو وقف حرب الإبادة في غزة، التي تأخر وقفها كثيرًا.