أصدرت دائرة الإحصاءات العامة تقرير التجارة الخارجية للربع الأول من عام 2025، والذي أظهر تحسنًا نسبيًا في أداء الصادرات مقابل استمرار الاختلال في الميزان التجاري. فقد ارتفعت الصادرات الكلية بنسبة 11.6% لتصل إلى 2,306 مليون دينار، بينما زادت المستوردات بنسبة 6.6% لتبلغ 4,679 مليون دينار، ما أدى إلى ارتفاع العجز التجاري بنسبة 2.2% ليصل إلى 2,373 مليون دينار مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.
من أبرز المؤشرات التي يتم الاستناد إليها في تحليل القطاع الخارجي، مؤشر «نسبة تغطية الصادرات للمستوردات»، الذي يعكس قدرة الاقتصاد على تمويل وارداته من خلال صادراته. وإذا تجاوزت هذه النسبة 100% يتحقق فائض تجاري، وإذا كانت أقل فهي تشير إلى عجز يتطلب تمويلًا خارجيًا. في حالة الأردن، أظهرت النسبة تحسنًا طفيفًا من 47% إلى 49% بالمقارنة ما بين الربع الاول للعام الحالي ونفس الفترة من العام 2024، ما يعني أن الصادرات باتت تغطي نحو نصف قيمة المستوردات. ورغم أن هذا لا يلغي العجز، إلا أنه يشير إلى تطور إيجابي في قدرة الاقتصاد الأردني على توليد العملة الأجنبية من التصدير وبالتالي قدرة الاقتصاد على المنافسة في الأسواق الخارجية.
في شهر آذار تحديدًا، وصلت نسبة التغطية إلى 53% مقارنة بـ48% في نفس الشهر من عام 2024، وهو تحسن ملموس يعكس ديناميكية في بعض القطاعات التصديرية. وقد أسهم في هذا التحسن نمو الصادرات الوطنية بنسبة 11.7% من 1,873 إلى 2,093 مليون دينار، على الرغم من تراجع بعض السلع مثل المستحضرات الصيدلانية والفوسفات الخام، إلا أن هذا التراجع قابله ارتفاع ملحوظ في صادرات الأسمدة الكيماوية، المجوهرات، والمواد الأخرى. كما ارتفع المعاد تصديره بنسبة 10.4%، مما يشير إلى نشاط متزايد في حركة إعادة التصدير.
أما على صعيد المستوردات، فقد ارتفعت بنسبة 6.6%، ويعكس ذلك إلى حد ما زيادة في الطلب المحلي أو ارتفاع أسعار بعض السلع عالميًا. ومن أبرز ما سجل ارتفاعًا: الآلات والمعدات الصناعية بنسبة 29%، الآلات الكهربائية بنسبة 45.8%، والحبوب بنسبة 34.1%، وهو ما يشير إلى نشاط اقتصادي قائم أو توسع في بعض المشاريع. في المقابل، انخفضت واردات النفط الخام ومشتقاته بنسبة 6.1%، والعربات والدراجات بنسبة 24.4%، ما ساهم في الحد من ارتفاع فاتورة الاستيراد.
تركيب الصادرات يعكس تنوعًا نسبيًا في الأداء، حيث ارتفعت صادرات الملابس، الأسمدة، البوتاس، والمجوهرات، ما يشير إلى استقرار الطلب على هذه السلع. بالمقابل، يشير تراجع صادرات الفوسفات والمستحضرات الصيدلانية إلى تحديات في أسواقها أو في الإنتاج المحلي. ومن جهة المستوردات، فإن التركيز على استيراد السلع الرأسمالية يشير إلى طابع استثماري، لكن استمرار الاعتماد الكبير على الخارج يزيد من حجم العجز التجاري ويعكس هشاشة في القاعدة الإنتاجية.
العجز التجاري، الذي بلغ 2,373 مليون دينار، لا يزال مرتفعًا رغم تحسن الصادرات، ما يعني أن الأردن يعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية حاجاته. هذا يتطلب تدخلًا اقتصاديًا أكثر عمقًا لتقليص هذه الفجوة، عبر تعزيز القطاعات الإنتاجية وتوسيع فرص النفاذ إلى الأسواق الخارجية.
أما من حيث الشركاء التجاريين، فقد توسعت الصادرات إلى دول عربية، أمريكا الشمالية، الهند، ودول أوروبية مثل هولندا، وهو مؤشر إيجابي يعكس جهود تنويع الأسواق. لكن تزامن هذا مع زيادة الاستيراد من نفس المناطق يعني أن الميزان التجاري معها لا يزال يميل للعجز، ما يتطلب سياسات تجارية أكثر دقة لزيادة الصادرات وتقليل الاستيراد غير الضروري.
إن رفع نسبة تغطية الصادرات للمستوردات يتطلب إصلاحات هيكلية في السياسة الاقتصادية تشمل تعزيز القطاعات التصديرية، تشجيع الاستثمار المحلي، وتطوير البنية التحتية الداعمة للتجارة. كما أن تحسين بيئة الأعمال، وزيادة الكفاءة اللوجستية، وتوجيه الدعم نحو المنتجات ذات القيمة المضافة، يمكن أن ترفع قدرة الاقتصاد الأردني على المنافسة الخارجية.
ورغم التحسن النسبي المسجل، إلا أن نسبة تغطية تبلغ 49% تبقى غير كافية. المطلوب هو رفع هذه النسبة تدريجيًا إلى ما فوق 60% خلال السنوات المقبلة، وهو هدف ممكن إذا ما تم دعم الإنتاج المحلي بكفاءة، وتحقيق التنوع في قاعدة التصدير، وتقليص الاعتماد على الخارج، وصولًا إلى ميزان تجاري أكثر توازنًا واستدامة.
رئيس قسم الاقتصاد - الجامعة الاردنية
