إنه يوم الاستقلال الذي دعينا لإحيائه، كان مركز المؤتمرات في «جامعة العلوم التطبيقة»، قد ضم أكثر من ألفين من الحضور غير الذين لم يجدوا مقاعد.
كانت الجامعة وضيوفها من الأردنيين والعرب، من مختلف أقطارهم، قد حضروا المناسبة.
الجديد الذي تعلمت منه هو الوثائق، وثائق الاستقلال التي عرضتها الجامعة في مدخل قاعة المؤتمر، حيث طاف الحضور عليها، وقد رأيت وثائق عن الاستقلال لأول مرة رغم انني متخصص في هذ المجال وكتبت عنه مراراً.
الوثائق التاريخية عن الاستقلال والتي قدمها للعرض في الجامعة، مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي، هي مادة أساسية ودسمة، لكل الذين يكتبون عن الأردن، أو يتابعون نشأته واستقلاله، سواء كانوا دارسين أكاديميين للماجستير أو الدكتوارة أو منتجين لوسائل إعلام أخرى.
لا يستطيع أحد يدرس الأردن أن يتجاوز هذه الوثائق التي أرجو الاطلاع عليها، ليعرف الأردنيون ثمرة نضال أجدادهم، حتى يكون هذا الوطن الذي أقام كيانه السياسي الهاشميون ناجزاً.
ليس فقط الوثائق المكتوبة هو ما جرى عرضه، فقد شاهدنا فيلماً وثائقياً تحدث فيه الراحل المؤسس عن يوم الاستقلال وما يعنيه وعن احتفائه والأمة بدولها وشعوبها آنذاك.
كنت في كتابي عن الثورة العربية الكبرى، وكتابي عن الأردن، قد دونت ومن خلال الصحف، التي كانت تصدر آنذاك عام 1946، برنامج الاحتفال بيوم الاستقلال الأول، 25/ 5/ 1946، وهو برنامج خصب حيث شهدت وفود من العالم العربي، ذلك اليوم وعلى رأسهم أمين عام الجامعة العربية انذاك، عبد الرحمن عزام باشا من مصر، وقد اخذت الوفود في رحله الى جرش وقلعة الربض، ولما كانت الفنادق المناسبة في عمان قليلة أو منعدمة، طلب الملك المؤسس عبدالله من المحسن اسماعيل باشا البلبيسي ان يأخذ الضيوف ليناموا عنده في قصره في جبل عمان (ما زال قائماً) ل? تكن الكراسي في الديوان تزيد عن ستين كرسياً.
وكتب مراسل جريدة الدفاع التي كانت تصدر آنذاك أن المياه مقطوعة عن عمان التي كانت ما زالت تحمل طابع القرية في بساطتها وفقرها.
وقد اشتركت مدينة الزرقاء (معسكرات الجيش العربي) في المناسبة.
فقد اقام الملك عبدالله في اليوم الثاني، 26/5، مأدبة غداء للضيوف في حدائق الزرقاء (على بركة قوة الحدود).
في حين أقيم على اراضي اللويبدة في عمان سباق للخيول، (لاحظوا أن اللويبدة كانت ميدانا للسباق)!
أما وزارة المعارف، فقد اقامت حفلات في سينما البتراء، القيت فيه الكلمات، وهو نفس المكان الذي خطب فيه المرحوم الضابط القائد عاطف المجالي، بالمناسبة وتبرع بعشرة جنيهات.
ومن اللافت للنظر أن الملك أمر البلديات كلها ان تطعم الفقراء وتقيم لهم المآدب وتوزع عليهم الصدقات.
وكان الديوان الملكي قد اصدر عفواً ملكياً عن كل الذين قضوا ثلثي مدة محكوميتهم مع تخفيف عقوبة الاعدام والمؤبد عمن حكموا بها حتى 25 آيار.
أمس في جامعة العلوم التطبيقية كان رئيس مجلس الأمناء الدكتور هيثم أبو خديجة، الذي أقام الاحتفال ورعاه وزير الثقافة، قد دعا أحد شهود يوم الاستقلال الذي صادف يوم ميلاده، وهو الدكتور زيد حمزة، أطال الله في عمره، ليتحدث للحضور عن ماذا كان عليه الأردن خاصة في مجال التعليم حيث لم يكن الاّ أربع مدارس غير مكتملة ومدرسة السلط الثانوية دون المتورم والتوجيهي الذي لم يكن مستحدثا انذاك وكيف عانى الأردنيون إلى أن وصلوا ما وصلوه اليوم، وان الاستعمار البريطاني كان لعنة وأن الاستقلال هو فجر سطعت شمسه على الأردن.
كان اليوم الأول للاستقلال مبهجاً وقد شهد الأردنيون احتفالات مستمرة في مدنهم، يتذكرها القليلون ممن عاصروا الاستقلال وما زالوا أحياء، فقد مضى على ذلك اليوم الأغر، 79 عاماً.
مناسبة الاستقلال هذا العام، فرصة لكل الاردنيين، لتأكيد محبتهم لوطنهم والحرص على استقلاله واضطراد تقدمه، فكل مدماك بني في صرح الاستقلال، هو تضحيات وعرق وصبر، فليكن ذلك اليوم خالداً، وليكن شعار عمل وبناء. وكل عام وانتم بخير
